وإنْ أتى ذلك لاعتقاده أنَّه حلال، إمَّا باجتهادٍ سائغٍ، أو تقليدٍ سائغٍ، وكان مخطئًا في اعتقاده، فحكمهُ حكمُ الذي قبلَه، فإنْ كان الاجتهادُ ضعيفًا، أو التقليدُ غيرَ سائغٍ، وإنَّما حمل عليه مجرّد اتباع الهوى، فحكمُهُ حكمُ من أتاه مع اشتباهه عليه، والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه، فقد أخبر عنه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه وقع في الحرام، وهذا يفسَّر بمعنيين:
[أحدهما]: أنْ يكونَ ارتكابُهُ للشبهة مع اعتقاده أنَّها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنَّه حرام بالتدريج والتسامح، وفي رواية في "الصحيحين" (?) لهذا الحديث: "ومن اجترأَ على ما يشكُّ فيه مِنَ الإثمِ، أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما استبانَ"، وفي رواية: "ومَنْ يُخالطِ الرِّيبةَ، يوشِكُ أن يَجْسُرَ" (?) أي: يَقرُب أنْ يُقْدِم على الحرام المحضِ، والْجَسورُ: المقدام الذي لا يهابُ شيئًا، ولا يُراقب أحدًا، ورواه بعضهم: "يجشُر" بالشِّين المعجمة؛ أي: يرتع، والجَشْر: الرَّعْيُ، وجَشَرتُ الدابة: إذا رعيتها، وفي مراسيل أبي المتوكل الناجيّ، عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يرعى بجنباتِ الحرامِ، يوشكُ أنْ يخالطهُ، ومن تهاون بالمحقِّرات، يُوشِكُ أنْ يُخالِطَ الكبائر" (?).
[والمعنى الثاني]: أنَّ من أقدم على ما هو مشتبهٌ عنده، لا يدري: أهو حلالٌ أو حرام، فإنَّه لا يأمن أنْ يكون حرامًا في نفس الأمر، فيُصادِفُ الحرام وهو لا يدري أنَّه حرامٌ. وقد رُوي من حديث ابن عمر عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. قال: "الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيَّن وبينهما مُشتبهاتٌ، فمن اتَّقاها، كان أنزَه لدينِهِ وعِرضه، ومن وقعَ في الشُّبهَاتِ أوشَكَ أنْ يقع في الحَرامِ، كالمرتع حَولَ الحِمى، يُوشِكُ أنْ يُواقعَ الحِمى وهو لا يشعر"، خرَّجه الطبراني (?) وغيره.
واختلف العلماء: هل يُطيع والديه في الدُّخول في شيءٍ من الشُّبهة أم لا