كتحريم الرجل زوجته، فإنَّ هذا متردِّد بين تحريم الظهار الذي ترفعه الكفَّارةُ الكبرى، وبين تحريم الطَّلقة الواحدة بانقضاء عدتها الذي تُباحُ معه الزوجة بعقدٍ جديدٍ، وبين تحريم الطَّلاق الثلاث الذي لا تُباح معه الزوجةُ بدون زوج وإصابة، وبين تحريم الرجل عليه ما أحلَّه الله له مِنَ الطَّعام والشراب الذي لا يحرمه، وإنَّما يُوجب الكفَّارة الصُّغرى، أو لا يُوجب شيئًا على الاختلاف في ذلك، فمن ها هنا كَثُرَ الاختلافُ في هذه المسألة في زمن الصحابة فمن بعدهم.

وبكل حال فالأمور المشتبهة التي لا تتبين أنَّها حلال ولا حرام لكثير من الناس، كما أخبر به النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، قد يتبيَّنُ لبعضِ النَّاس أنَّها حلال أو حرام، لِمَا عِنده مِنْ ذلك من مزيدِ علمٍ، وكلام النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يدلُّ على أنَّ هذه المشتبهات مِنَ النَّاسِ من يعلمُها، وكثيرٌ منهم لا يعلمها، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان:

[أحدهما]: من يتوقَّف فيها؛ لاشتباهها عليه.

[والثاني]: من يعتقدُها على غيرِ ما هي عليه، ودل كلامُه على أنَّ غير هؤلاء يعلمها، ومرادُه أنَّه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أنَّ المصيبَ عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلفِ فيها واحدٌ عند الله -صلى الله عليه وسلم-، وغيره ليس بعالم بها، بمعنى أنَّه غيرُ مصيب الحاكم الله فيها في نفس الأمر، وإنْ كان يعتقدُ فيها اعتقادًا يستندُ فيه إلى شبهة يظنُّها دليلًا، ويكون مأجورًا على اجتهاده، ومغفورًا له خطؤه لعدم اعتماده. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فيما يتعلّق بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه":

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قسَّم الناس في الأمور المشتبهة إلى قسمين، وهذا إنَّما هو بالنسبة إلى من هي مشتبهة عليه، وهو ممن لا يعلمها، فأمَّا مَنْ كان عالمًا بها، واتَّبع ما دلَّه علمهُ عليها، فذلك قسمٌ ثالثٌ، لم يذكره لظهور حكمه، فإنَّ هذا القسم أفضلُ الأقسام الثلاثةِ؛ لأنَّه عَلِمَ حكمَ الله في هذه الأمور المشتبهة على النَّاس، واتَّبع علمَه في ذلك. وأما من لم يعلم حكم الله فيها، فهم قسمان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015