اجترأ على ما يَشُكّ فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان"، قال الحافظ رحمه الله: وهذا يُرَجِّح الوجه الأول، كما أشرت إليه.

[تنبيه]: استَدَلّ به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال الحافظ: وفي الاستدلال بذلك نظرٌ، إلا إن أراد به أنه مُجْمَلٌ في حق بعض دون بعض، أو أراد الردّ على منكري القياس، فيَحْتَمِل ما قال، والله أعلم (?).

(فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ) بضمّ الموحّدة: جمع شُبُهة؛ أي: حَذِرَ منها، وفي رواية للبخاريّ: "فمن اتّقى المشبّهات"، قال في "الفتح": والاختلاف في لفظها بين الرواة نظير التي قبلها. انتهى. (اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) "استبرأ" بالهمز، بوزن استَفْعَل، من البراءة؛ أي: بَرَأَ دينُهُ من النقص، وعِرْضُهُ من الطعن فيه؛ لأن من لم يُعْرَف باجتناب الشبهات لم يَسْلَم لقول من يَطعن فيه، وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه، فقد عَرَّض نفسه للطعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين، ومراعاة المروءة (?).

وقال ابن رجب رحمه الله: معنى "استبرأ": طلب البراءة لدينه وعرضه مِنَ النَّقْص والشَّين، والعِرْضُ: هو موضعُ المدح والذمِّ من الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدحٌ، وبذكره بالقبيح قدحٌ، وقد يكون ذلك تارةً في نفس الإنسان، وتارة في سلفه، أو في أهله، فمن اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها، وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات، فقد عرَّض نفسه للقدح فيه والطَّعن، كما قال بعض السَّلف: من عرَّض نفسه للتُّهم، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله (?).

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "استبرأ ... إلخ" أي: احتاط لنفسه، وطلب البراءة، وقال النوويّ: أي حَصَّل البراءة لدينه من الذّمّ الشرعيّ، وصان عِرضه من كلام الطاعن، وقال في "شرح السنّة": فيه دليل على جواز الجرح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015