التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر، يأكلونه رطبًا، ومتى خولف الأصل بشرط، لم تجز مخالفته بدون ذلك الشرط؛ ولأن ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها، كالزكاة للمساكين، والترخصِ في السفر فعلى هذا، متى كان صاحبها غير محتاج إلى أكل الرطب، أو كان محتاجًا، ومعه من الثمن مما يشتري به العرية، لم يجز له شراؤها بالتمر، وسواء باعها لواهبها، تحرزًا من دخول صاحب العرية حائطه، كمذهب مالك، أو لغيره، فإنه لا يجوز. وقال ابن عقيل: يباح، ويحتمله كلام أحمد؛ لأن الحاجة وجدت من الجانبين، فجاز كما لو كان المشتري محتاجًا إلى أكلها، ولنا حديث زيد الذي ذكرناه، والرخصة لمعنى خاص، لا تثبت مع عدمه؛ ولأنه في حديث زيد، وسهل: "يأكلها أهلها رطبًا"، ولو جاز لتخليص الْمُعري لَمَا شرط ذلك.

فيشترط إذًا في بيع العرية شروط خمسة: أن يكون فيما دون خمسة أوسق، وبيعها بخرصها من التمر، وقبض ثمنها قبل التفرق، وحاجة المشتري إلى أكل الرطب، وأن لا يكون معه ما يشتري به سوى التمر، واشترط القاضي، وأبو بكر شرطًا سادسًا، وهو حاجة البائع إلى البيع، واشترط الخرقي كونها موهوبة لبائعها، واشترط أصحابنا لبقاء العقد أن يأكلها أهلها رطبًا، فإن تركها حتى تصير تمرًا، بطل العقد. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: اشتراط كون المشتري محتاجًا إلى أكلها رطبًا هو الظاهر؛ لِمَا تقدّم من رواية مسلم: "أن تؤخذ بمثل خرصها يأكلها أهلها رُطبًا"، وأما الحديث الذي ذكره ابن قُدامة عن زيد بن ثابت: "أن رجالًا من المحتاجين شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يأتي إلخ"، فليس بثابت؛ إذ لم يوجد له سند، كما نقله الزيلعيّ في "نصب الراية" (4/ 13 - 14) عن صاحب "التنقيح"، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015