وأجيب بأن المعهود في كلامه - صلى الله عليه وسلم -، حيث يُطلق الخيار إرادة خيار الفسخ، كما في حديث المصرّاة، وكما في حديث الذي يُخدَع في البيوع، وأيضًا فإذا ثبت أن المراد بالمتبايعين المتعاقدان، فبعد صدور العقد، لا خيار في الشراء، ولا في الثمن.
(سابع عشرها): تمسّك بعضهم في ردّ ذلك بالعمومات، مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الآية [المائدة: 1] قالوا: وفي الخيار إبطال الوفاء بالعقد، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه"، قالوا: فقد أباح بيعه بعد قبضه، ولو كان قبل التفرّق.
وأجيب بأن هذا مسلك ضعيف؛ لأن العمومات لا تردّ بها النصوص الخاصّة، وإنما يُقضى للخاصّ على العامّ (?).
(ثامن عشرها): حَكَى ابن السمعاني في "الاصطلام" عن بعض الحنفية، قال: البيع عقد مشروع بوصف، وحكم، فوصفه اللزوم، وحكمه الملك، وقد تم البيع بالعقد، فوجب أن يتم بوصفه وحكمه، فأما تأخير ذلك، إلى أن يفترقا فليس عليه دليل؛ لأن السبب إذا تم يفيد حكمه، ولا ينتفي إلا بعارض، ومن ادّعاه فعليه البيان.
وأجاب أن البيع سبب للإيقاع في الندم، والندم يحوج إلى النظر، فأثبت الشارع خيار المجلس، نظرًا للمتعاقدين؛ ليسلما من الندم، ودليله خيار الرؤية عندهم، وخيار الشرط عندنا، قال: ولو لزم العقد بوصفه وحكمه، لَمَا شُرعت الإقالة، لكنها شُرعت نظرًا للمتعاقدين، إلا أنها شرعت لاستدراك ندم، ينفرد به أحدهما، فلم تجب، وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم، يشتركان فيه، فوجب. انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (?).
وقال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله - بعد إيراد نحو ما تقدّم من الأقوال، ما حاصله: وقد ظهر بما بسطناه أنه ليمس لهم متعلّق صحيح في ردّ هذا الحديث، ولذلك قال ابن عبد البر: أَكْثَرَ المتأخّرون من المالكية، والحنفية من الاحتجاج