شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ) بن الحكم بن أبي العاص بن أُميّة، أبو عبد الملك الأمويّ المدنيّ، وَلِي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، ولا تثبت له صحبة، بل هو من الطبقة الثانية، تقدّمت ترجمته في "الصيام" 13/ 2589، والظاهر أن كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا كان في أيام إمرة مروان على المدينة قبل أن يتولّى الخلافة، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا إنكار من أبي هريرة - رضي الله عنه - على مروان، وتغليظ، وهو نصٌّ في أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يُفتي على الأمراء وغيرهم، وهو ردٌّ على من جَهِل حال أبي هريرة، وقال: إنه لم يكن مفتيًا، وهو قول باطل بما يوجد له من الفتاوى، وبالمعلوم من حاله؛ وذلك: أنَّه كان من أحفظ الناس لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وألزم الناس للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولخدمته حضرًا، وسفرًا، وأغزرهم علمًا. انتهى (?).

(أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا، فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ)؛ أي: ما أحللت بيع الربا (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ) قال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المعنى: أحللت بيع طعام الصكاك، لا يعني الصكاك نفسها، وفيه أن الترك فعلٌ؛ لأنه لم يُحلل، وإنما ترك النهي، وهو إغلاظ في الإنكار، وهو يدلّ على أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان مفتيًا على الأمراء وغيرهم. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لأنه لم يُحلل ... إلخ" فيه نظر، فقد جاء التصريح بإحلاله، فقد أخرج أبو عوانة، والبيهقيّ بإسناد صحيح، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة أنه دخل على مروان بن الحكم، وهو بالمدينة، وكان مروان قد أحلّ بيع الصكوك التي بالآجال قبل أن تُسْتَوْفَى، فقال له أبو هريرة - رضي الله عنه -: أحللت الربا بيع الطعام قبل أن يُستوفَى، وأشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه"، فردّ مروان بن الحكم ذلك البيع. انتهى.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الصِّكاك: جمع صَكّ، وهو الورقة المكتوبة بدَين، ويُجمع أيضًا على صكوك، والمراد هنا الورقة التي تخرج من وليّ الأمر بالرزق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015