فقوله: "حتى يكتاله" كنايةٌ عن القبض، أو لكون القبض عادةً يكون بالكيل، فهو بمعنى الرواية السابقة: "حتى يقبضه".

وقوله: (فَفُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ؟ )؛ أي: لأيّ شيء نُهي عن بيع الطعام حتى يكتاله؟

وقوله: (وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ)؛ أي: مؤخَّر، ويجوز همز "مرجأ"، وترك همزه، ووقع في كتاب الخطابيّ بتشديد الجيم بغير همز، وهو للمبالغة، قاله في "الفتح" (?).

قال الشوكانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - ما معناه: أنه إذا باعه المشتري قبل القبض، وتأخر المبيع في يد البائع، فكأنه باع دراهم بدراهم، ويبيّن ذلك ما في رواية مسلم، عن ابن عباس؛ أنه قال لما سأله طاوس: "ألا تراهم يبتاعون بالذهب، والطعام مرجأ"، وذلك لأنه إذا اشترى طعامًا بمائة دينار، ودفعها للبائع، ولم يقبض منه الطعام، ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلًا، فكأنه اشترى بذهبه ذهبًا أكثر منه. انتهى المقصود منه (?).

وقال الخطّابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "والطعام مرجأ"؛ أي: غائبٌ مُؤجَّلٌ في ذمة البائع، يقال رَجَّيتُ الشيءَ، وأرجاته: إذا أخرته، ومن هذا قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106].

وتفسير ذلك أن يُسْلِف نَقْدًا في طعام، ثم يبيعه بنقد قبل أن يقبضه، فيفسد البيع؛ لأن ملكه لا يستقرّ، ولا يتكامل إلا بالقبض، وقد نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يُضْمَن، فإذا كان الطعام الذي يبيعه مرجأً؛ أي: مؤخَّرًا عن ملكه، ومضمونًا على غيره، لم يجز بيعه؛ لأنهما إنما تبايعا ذَهَبًا ليس بإزائه في الحقيقة طعامٌ.

وبيان هذا في حديث له آخر، ثم أخرج بسنده عن القاسم بن محمد قال: سألت ابن عباس، فقلت: كنا نُسلف في السيائب، فنبيعها قبل أن نستوفيها، فقال: ذاك بيع ورِق بورق.

يريد أن البيع لم يقع على الثياب الذي هو مضمون على غيره، وإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015