بمعنًى، وقول الفقهاء: "باب الكتابة" فيه تسامحٌ؛ لأن الكتابة اسم المكتوب، وقيل للمكاتبة (?): كتابة تسمية باسم المكتوب مجازًا واتساعًا؛ لأنه يُكتَب في الغالب للعبد على مولاه كتابٌ بالعتق عند أداء النجوم، ثم كَثُر الاستعمال حتى قال الفقهاء للمكاتبة: كتابةٌ، وإن لم يُكْتَب شيءٌ، قال الأزهريّ: وسُمِّيت المكاتبة كتابةً في الإسلام، وفيه دليل على أن هذا الإطلاق ليس عربيًّا، وشذّ الزمخشريّ، فجعل المكاتبة والكتابة بمعنى واحد، ولا يكاد يوجد لغيره ذلك، ويجوز أنه أراد الكتاب، فطغا القلم بزيادة الهاء، قال الأزهريّ: الكتاب والمكاتبة: أن يُكاتِب الرجلُ عبدَهُ، أو أمته على مالٍ مُنَجَّم، ويَكتُب العبدُ عليه أنه يَعْتِق إذا أدى النجوم، وقال غيره بمعناه، وتكاتبا كذلك، فالعبد مُكاتَبٌ بالفتح، اسم مفعول، وبالكسر اسم فاعل؛ لأنه كاتب سيده، فالفعل منهما، والأصل في باب المفاعلة أن يكون من اثنين فصاعدًا، يفعل أحدهما بصاحبه ما يفعل هو به، وحيحئذ فكلُّ واحد فاعلٌ، ومفعولٌ من حيث المعنى. انتهى.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهر قولها: "إن أهلي كاتبوني": أن الكتابة قد كانت انعقدت، وصحَّت، وأن ذلك ليس بمراوضة على الكتابة، وعند هذا يكون مع ما وقع من شراء عائشة - رضي الله عنها - بإذن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ظاهرًا في جواز فسخ الكتابة، وبيع المكاتب للعتق، كما قد صار إليه طائفة من أهل العلم، وأما من لم يُجِز ذلك، وهم الجمهور، فأشكل عليهم الحديث، وتحزّبوا في تأويله؛ فمنهم من قال: إن الكتابة المذكورة لم تكن انعقدت، وأن قولها: "كاتبت أهلي" معناه: أنها راوضتهم عليها، وقدّروا مبلغها وأجلها، ولم يعقدوها، وقد بيَّنَّا أن الظاهر خلافه، بل إذا تُؤمِّل مساقُ الحديث مع قولها: "فأعينيني"، وجواب عائشة - رضي الله عنهما -، قُطِعَ بأنها قد كانت عقدتها، وأن هذا التأويل فاسد.
ومنهم من قال: إن المبيع الكتابة، لا الرقبة، وهذا فاسدٌ؛ لأن من أجاز بيع الكتابة لم يجعل بيع الولاء لمشتري الكتابة، بل لعاقدها، وأشبه ما قيل في ذلك: أن بريرة عجزت عن الأداء، فاتفقت هي وأهلها على فسخ الكتابة، وحينئذ صحَّ البيع، إلا أن هذا إنما يتمشى على قول من يقول: إن تعجيز