(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم من أعتق شركًا له في عبد:
(اعلم): أنهم اختلفوا في هذه المسألة على أقوال:
[أحدها]: أنه يعتق جميعه في الحال، فيما إذا كان المعتِق موسرًا بقيمة الباقي، قال وليّ الدين رحمه اللهُ: وهذا أصح الأقوال في مذهب الشافعيّ، وبه قال أحمد، وإسحاق، وبعض المالكية، وذكر ابن حزم أن أحمد وإسحاق سكتا عن المعسر، فما سمعنا عنهما فيه لفظة، قال أصحابنا - يعني الشافعيّة -: ولو أعسر المعتق بعد ذلك استمرّ نفوذ العتق، وكانت القيمة دينًا في ذمته، ولو مات أُخذت من تركته، فإن لم يكن له تركة ضاعت القيمة، واستمرّ عتق جميعه، قالوا: ولو أعتق الشريك نصيبه بعد إعتاق الأول نصيبه، كان إعتاقه لغوًا؛ لأنه قد صار كله حرًّا.
[القول الثاني]: كالذي قبله إلا أنه لا يَعتِق إلا بدفع القيمة، فلو أعتق الشريك حصته قبل أن يدفع المعتِق القيمة نفذ عتقه، وهذا هو المشهور من مذهب مالك، وهو قول للشافعيّ، وبه قال أهل الظاهر، كما حكاه النوويّ في "شرح مسلم"، قال وليّ الدين: وفيه نظرٌ، فإن ابن حزم منهم قال بالأول، فيما إذا كان موسرًا، وقال ابن حزم بعد نقله هذا القول عن مالك بزيادة تفاريع: ما نعلم هذا القول لأحد قبله.
[الثالث]: أنه إن كان المعتِق موسرًا يُخَيَّر شريكه بين ثلاث أمور: إن شاء استسعى العبد في نصف قيمته، وإن شاء أعتق نصيبه، والولاء بينهما، وإن شاء قَوَّم نصيبه على شريكه المعتِق، ثم يرجع المعتِق بما دفع إلى شريكه على العبد يستسعيه في ذلك، والولاء كله للمعتِق، وبهذا قال أبو حنيفة، كما حكاه النوويّ في "شرح مسلم"، قال وليّ الدين: لكن الذي في كتب أصحابه، ومنها "الهداية" فيما إذا كان المعتِق معسرًا يخير الشريك بين استسعاء العبد، وبين إعتاق نصيبه، وكذا حكاه عنه ابن حزم الظاهريّ، فهذا [قول رابع].
وقال ابن حزم بعد نقله عنه: ما نعلم أحدًا من أهل الإسلام سبقه إلى هذا التقسيم.
[الخامس]: أنه إن كان موسرًا عَتَق عليه جميعه بنفس الإعتاق، ويُقَوَّم