الحقائق بغير أسمائها. انتهى (?).

وكتب البرّاك أيضًا على حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا: "ما من أحد أغير من الله ... " الحديث، ما نصّه: دلّ حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - على إثبات صفة الغيرة لله تعالى، وأن غيرته أكمل، وأعظم من غيرة كلّ أحد، فيجب أن يكون القول فيها كالقول في سائر الصفات، وهو الإيمان بأن الله تعالى يغار حقيقةً، وأن غيرته ليست كغيرة المخلوقين، بل غيرة تليق به - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، ويدلّ على أن الغيرة من الله حقيقة قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث سعد بن عبادة: "أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير منّي"، والغيرة في مثل هذا السياق تتضمّن الغضب لانتهاك الحرمة، والله سبحانه يُبغض ما حرّم، ويغضب إذا انتُهكت حرماته.

قال: وقول عياض: "ويَحْتَمل أن تكون الغيرة في حقّ الله تعالى الإشارةَ إلى تغيّر حال فاعل ذلك" هو من التأويل المخالف لظاهر اللفظ بغير حجة، والحامل له عليه الحذَر من إضافة التغيّر إلى الله تعالى الذي يُشعر به لفظ الغيرة، وهو ممتنع عنده، وعند ابن العربيّ، ولهذا قال - فيما نقله الحافظ ابن حجر -: التغيّر محال على الله بالدلالة القطعيّة.

والحقّ أن التغيّر من الألفاظ المجملة المبتدَعة في باب صفات الله تعالى؛ إذ لَمْ يَرِد إطلاقه على الله تعالى نفيًا ولا إثباتًا، والواجب في مثل هذا التفصيل، والاستفصال، فمن أراد بالإثبات، أو النفي حقًّا قُبِل، وإن أراد باطلًا رُدّ، فالتغيّر إن أريد به النقص بعد الكمال، أو الكمال بعد النقص، فهو ممتنع على الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؛ لأنه منزّه عن النقص أزلًا وأبدًا، وإن أريد به التغيّر في أفعاله تبعًا لمشيئته وحكمته، مثل أن يُحبّ، ويُبغض، ويغضب، ويرضي، فذلك من كماله، وتسمية هذا تغيّرًا في ذاته ممنوع وباطلٌ، والأسماء لا تُغيِّر الحقائق، والمعوّل في الإحكام على الحقائق والمعاني، لا على الألفاظ والعبارات. انتهى كلام الشيخ البراك (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، فتمسّك به،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015