مخالفٌ لما تقدّم أنها نزلت بسبب عويمر العجلانيّ، وهذا يَحْتَمِل أن تكون القضيّتان متقاربي الزمان، فنزلت بسببهما معًا، وَيحْتَمِل أن تكون الآية أنزلت على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرّتين؛ أي: كرّر نزولها عليه، كما قال بعض العلماء في "سورة الفاتحة": إنها نزلت بمكّة، وتكرر نزولها بالمدينة، وهذه الاحتمالات - وإن بعُدت - فهي أولى من أن يُطرَّق الوهم للرواة الأئمة الحفّاظ. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما أشار إليه القرطبيّ رحمه الله أن الجمع بأنها نزلت بسببهما هو الأرجح، وقد تقدّم تمام البحث في ذلك قريبًا، فراجعه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.

(قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوهَا) الضمير للمرأة الملاعِنة، ثم الظاهر أنه من الإبصار، فهمزته همزة قطع، وَيحْتَمِل أن يكون من البصر - بفتحتين - من بابي كَرُم، وعَلِمَ، لكن هذا قليل، إذ الفصيح أن يتعدى بالباء، قال الفيّوميّ: يقال: أبصرته برؤية العين إبصارًا، وبَصُرتُ بالشيء - بالضمّ، والكسرُ لغةٌ، بَصَرًا - بفتحتين -: عَلِمت به، فأنا بصير به، يتعدّى بالباء في اللغة الفصحى، وقد يتعدّى بنفسه. انتهى.

وقال السمين الحلبيّ رحمه الله في قوله تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ} [القصص: 11]: يقال: بَصِر بالشيء؛ أي: عَلِمه، وأبصره؛ أي: نظر إليه، كذا قال الزجّاج، وقال غيره: بَصِر بالشيء، وأبصره: بمعنى عَلِمه، والعامّة بضم الصاد في الماضي، ومضارعه، وقرأ الأعمش، وأبو السمّال: "بصِرت" بالكسر، يبصَر بالفتح، وهي لغة. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن الفصيح في قوله: "أبصروا" قطع الهمزة، أو تعديته بالباء، والمعنى: اعلموا ولدها، أو انظروا إلى ولدها الذي ستلده من هذا الحمل الذي لاعنت به على أي صفة تَلِده، حتى تستدلّوا على كذب أحدهما، والله تعالى أعلم.

(فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ، سَبِطًا) بكسر الباء، وإسكانها؛ أي: مُسترسِل الشعر، منبسطه، يقال: سَبِط الشعرُ سَبَطًا، من باب تعب، فهو سَبِطٌ - بكسر الباء -، وربّما قيل: سَبَطٌ بالفتح وصفٌ بالمصدر: إذا كان مسترسلًا، وسَبُطَ سَبُوطةً، فهو سَبْطٌ، مثلُ سَهُل سُهُولةً، فهو سَهْلٌ، لغةٌ فيه، قاله الفيّوميّ رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015