الشهر، فالجمهور على أنه لا يقع البَرّ إلا بثلاثين. انتهى (?).
[تنبيه]: قال في "الفتح": هذا مشكلٌ في هذه الرواية، فإن ظاهره أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نزل عقب ما خاطبه عمر، فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعًا وعشرين يومًا، وسياق غيره ظاهر في أنه تكلم معه في ذلك اليوم، وكيف يُمْهِل عمر تسعًا وعشرين يومًا لا يتكلم في ذلك، وهو مصرِّح بأنه لم يصبر ساعةً في المسجد، حتى يقوم، ويرجع إلى الغرفة، ويستأذن؟
ولكن تأويل هذا سهلٌ، وهو أن يُحْمَل قوله: "فنزل" أي: بعد أن مضت المدة، ويستفاد منه أنه كان يتردد إلي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تلك المدة التي حَلَف عليها، فاتَّفَق أنه كان عنده عند إرادته النزول، فنزل معه، ثم خَشِي أن يكون نَسِي فذَكَّره، كما ذَكَّرته عائشة - رضي الله عنها -، كما سيأتي. انتهى (?).
(فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِد، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ) إنما فعل ذلك؛ ليزيل الكرب الذي حلّ بالصحابة - رضي الله عنهم - بسبب توهّمهم أنه - صلى الله عليه وسلم - طلّق نساءه (وَنَزَلَتْ هَذ الْآيَةُ) هذا بيان صريحٌ على أن سبب نزول هذه الآية هو قصّة عمر - رضي الله عنه - هذه، وهذا أصح مما ذكره المفسّرون، كابن جرير (?) من أنها نزلت في المنافقين، على أنه لا يبعد أن تنزل في الأمرين معًا، والله تعالى أعلم.
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] قال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله في "تفسيره": قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} في "إذا" معنى الشرط، ولا يُجازَم (?) بها، وإن زيدت عليها "ما" وهي قليلة الاستعمال، قال سيبويه: والجيّد ما قال كعب بن زهير [من الخفيف]:
وَإِذَا مَا تَشَاءُ تَبْعَثُ مِنْهَا ... مَغْرِبَ الشَّمْسِ نَاشِطًا مَذْعُورَا (?)