ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر، فيجب أن يكون هو المعتبر في العدّة، فإنه قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} يعني وقتًا تعتدّ به، ثم قال تعالى: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] يريد ما تعتدّ به المطلّقة، وهو الطهر الذي تطلّق فيه، وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -: "مره، فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فتلك العدّة التي أمر الله أن تُطلّق لها النساء"، أخرجه مسلم وغيره، وهو نصّ في أن زمن الطهر هو الذي يسمّى عدّةً، وهو الذي تُطلّق فيه النساء، ولا خلاف أن من طلّق في حال الحيض لم تعتدّ بذلك الحيض، ومن طلّق في حال الطهر، فإنها تعتدّ عند الجمهور بذلك الطهر، فكان ذلك أولى. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال في المعنى المراد من القرء في قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} قول من قال: إنه الطهر، لا الحيضُ، وإن كان اللفظ يُطلق عليهما جميعًا، كما تقدّم بيانه عن أهل اللغة، إلا أن المراد في هذه الآية هو الطهر؛ بدليل توضيح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المذكور في الباب، فبيانه أوضح بيان، وأتمّه، حيث إن الله - سبحانه وتعالى - وَكَل بيان معنى كتابه إليه، بقوله - عز وجل -: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: 44]، ولقد أجاد العلامة ابن القيّم - رحمه الله - في بيان الأقوال المذكورة في معنى القرء، وأدلتها، وترجيح أنه الطهر بأدلة كثيرة في كتابه الممتع "زاد المعاد" بما لا تجده مجموعًا عند غيره، ولولا خوف التطويل لنقلته بحروفه، فإن شئت فارجع إليه (5/ 594 - 650) تزدد علما جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[3653] (. . .) - (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ رُمْحٍ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى، قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، وَقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأةً لَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -