للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصّة بخصوصها؛ لأنه قال: إنها حُسبت عليه بتطليقة، فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئًا، وكيف يُظنّ به ذلك، مع اهتمامه، واهتمام أبيه بسؤال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ليفعل ما يأمره به؟ وإن جُعل الضمير في "لم يعتدّ بها"، أو "لم يرها" لابن عمر لزم منه التناقض في القصّة الواحدة، فيفتقر إلى الترجيح، ولا شكّ أن الأخذ بما رواه الأكثر، والأحفظ أولى من مقابله عند تعذّر الجمع عند الجمهور، والله أعلم.

واحتجّ ابن القيّم لترجيح ما ذهب إليه شيخه بأقيسة، ترجع إلى مسألة أن النهي يقتضي الفساد، فقال: الطلاق ينقسم إلى حلال وحرام، فالقياس أن حرامه باطلٌ؛ كالنكاح، وسائر العقود، وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم، فكذلك يقتضي الفساد، وأيضًا فهو طلاقٌ مَنَعَ منه الشرع، فأفاد منه عدم جواز إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه، وإلا لم يكن للمنع فائدة؛ لأن الزوج لو وكّل رجلًا أن يطلّق امرأته على وجه، فطلّقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ، فكذلك لم يأذن الشارع للمكلّف في الطلاق إلا إذا كان مباحًا، فإذا طلّق طلاقًا محرّمًا لم يصحّ، وأيضًا فكلّ ما حرّمه الله من العقود مطلوب الإعدام، فالحكم ببطلان ما حرّمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه، ومعلومٌ أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه، ثم أطال من هذا الجنس بمعارضات كثيرة، لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعة، فإنها فرع وقوع الطلاق على تصريح صاحب القصّة بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في معارضة النصّ فاسد الاعتبار، والله أعلم.

وقد عورض بقياس أحسن من قياسه، فقال ابن عبد البرّ: ليس الطلاق من أعمال البرّ التي يُتقرّب بها، وإنما هو إزالة عصمة فيها حقّ آدميّ، فكيفما أوقعه وقع، سواء أُجر في ذلك، أم أثم، ولو لزم المطيع، ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخفّ حالًا من المطيع.

ثم قال ابن القيّم: لم يَرِد التصريح بان ابن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن جبير عنه، عند البخاريّ، وليس فيها تصريحٌ بالرفع، قال: فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله: "لم يرها شيئًا"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015