أُمروا بترك ادِّخار السَّلْوى فادخروه، حتى أنتن، فاستمر نتن اللحوم من ذلك الوقت، أو لمّا صار الماء في أفواههم دَمًا وأنتنوا بذلك سَرَى ذلك النتن إلى اللحم وغيره؛ عقوبةً لهم.
وفي "الحلية" لأبي نعيم: عن وهب بن منبه قال: وَجَدتُ في بعض الكتب عن الله تعالى: "لولا أني كتبت الفناء على الميت، لحبسه أهله في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام، لخزنته الأغنياء عن الفقراء". انتهى (?).
(وَلَوْلَا حَوَّاءُ) - بفتح الحاء المهملة، وتشديد الواو، ممدودًا - أي امرأة آدم - عليهما السلام - قال ابن عباس - رحمه الله -: سُمِّيت حواء؛ لأنها أم كل حيّ، وقيل: لأنها ولدت لآدم - صلى الله عليه وسلم - أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، في كل بطن ذكر وأنثى، واختلفوا متى خُلقت من ضلعه، فقيل قبل دخوله الجنة، فدخلاها، وقيل: في الجنة (?). (لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ") منصوب على الظرفيّة، أي لم تخنه أبدًا، ومعنى الحديث أنها أم بنات آدم، فأشبهنها ونَزَعَ العِرْق إليها؛ لِمَا جَرَى لها في قصة الشجرة مع إبليس، فزَيَّن لها أكل الشجرة، فأغراها، فأخبرت آدم بالشجرة، فأكلا منها، وليس المراد خيانة في فِرَاش، فإن ذلك لم يقع لامرأة نبيّ قط، حتى ولا امرأة نوح، ولا امرأة لوط الكافرتان، فإن خيانة الأولى إنما هو بإخبارها الناس أنه مجنون، وخيانة الثانية بدلالتها على الضيف، كما ذكره المفسرون. قاله وليّ الدين - رحمه الله - (?).
وقال في "الفتح": قوله: "لَمْ تخُن أنثى زوجها" فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة، حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنَّها قَبِلَت ما زَيَّن لها إبليس، حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة، ونَزَع العِرْق، فلا تكاد امرأة تَسْلَم من خيانة زوجها بالفعل، أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش، حاشا وكلّا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس، من أكل الشجرة، وحَسَّنت ذلك لآدم، عُدَّ ذلك