رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، فعُلِم من هذا أن معنى قوله: "ردّ على عثمان" أي: لم يأذن له، بل نهاه.
وأخرج الطبرانيّ من حديث عثمان بن مظعون نفسه: "أنه قال: يا رسول الله إني رجلٌ يشُقّ عليّ العزوبة، فأْذن لي في الخصاء، قال: لا، ولكن عليك بالصيام. . ." الحديث.
ومن طريق سعيد بن العاص: "أن عثمان قال: يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء، فقال: إن الله قد أبدلنا بالرهبانيّة الحنيفيّةَ السمحة".
فَيَحْتَمِل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقةً، فعبّر عنه الراوي بالتبتّل؛ لأنه ينشأ عنه، فلذلك قال: "ولو أذن له لاختصينا".
ويَحْتَمِل عكسه، وهو أن المراد بقول سعد: "ولو أذن لاختصينا" لفعلنا فعل من يختصي، وهو الانقطاع عن النساء.
قال الطبريّ: التبتّل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء، والطيب، وكلّ ما يُلتذّ به، فلهذا أُنزل في حقّه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية [المائدة: 87].
(التَّبَتُّلَ) أي: الانقطاع عن النساء، وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله تعالى، و"التبتّل" في الأصل: مصدر "تَبَتَّلَ"، من البَتْل، وهو القطع، يقال: بتله بَتْلًا، من باب قتل: قطعه، وأبانه، وطلّقها طلقةً بَتَّةً بَتْلَةً، وتَبَتّل إلى العبادة: تفرّغ لها، وانقطع. والمراد هنا الانقطاع عن النكاح، وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة.
وأما المأمور به في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] فقد فسّره مجاهدٌ، فقال: أخلِصْ له إخلاصًا، وهو تفسيرُ معنًى، وإلا فأصل التبتّل الانقطاع، والمعنى: انقطع إليه انقطاعًا، لكن لما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله تعالى إنما تقع بإخلاص العبادة له فسّرها بذلك، ومنه: "صدقةٌ بَتْلَةٌ" أي: منقطعةٌ عن الملك، ومريم البتول؛ لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة، وقيل لفاطمة - رضي الله عنها -: البتول؛ إما لانقطاعها عن الأزواج غير عليّ، أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف.
وقد ترجم الإمام البخاريّ - رحمه الله - بقوله: "باب ما يكره من التبتّل،