وأخذ بطريقة غيري، فليس منّي، ولمّح بذلك إلى طريقة الرهبانيّة، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، كما وصفهم الله تعالى به، وقد عابهم بأنهم ما وفوا بما التزموه، وطريقة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الحنيفيّة السمحة، فيُفطر ليتقوّى على الصوم، وينام ليتقوّى على القيام، ويتزوّج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل.

وقوله: (فَلَيْسَ مِنِّي") إن كانت الرغبة بضرب من التأويل، يُعذر صاحبه فيه، فمعنى "فليس مني" أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملّة، وإن كان إعراضًا، وتنطّعًا، يُفضي أرجحية عمله، فمعنى "فليس مني": على ملّتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوعٌ من الكفر، قاله في "الفتح"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [1/ 3404] (1401)، و (البخاريّ) في "النكاح" (5063)، و (النسائيّ) في "النكاح" (3218) و"الكبرى" (5324)، و (أحمد) في "مسنده" (3/ 241 و 259 و 285)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (14)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (4/ 64)، و (عبد بن حُميد) في "مسنده" (1/ 392)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (7/ 77)، و (البغويّ) في "شرح السنّة" (96)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

1 - (منها): بيان النهي عن التبتّل.

2 - (ومنها): أن فيه دلالةً على فضل النكاح، والترغيب فيه.

3 - (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الحرص على التأسّي بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بحيث إنهم يبحثون عن عمله إذا خلا في بيته، حتى لا يفوتهم الاتباع به في سنته التي يعمل بها في حال خلوته عنهم.

4 - (ومنها): أن فيه تتبّع أحوال الأكابر للتأسّي بأفعالهم، وأنه إذا تعذّرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015