وقال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: يَحْتَمِل أن تكون أفعل على بابها، فإن التقوى سبب لغضّ البصر، وتحصين الفرج، وفي معارضتها الشهوية الداعية، وبعد حصول التزويج يضعف هذا العارض، فيكون أغضّ وأحصن مما لم يكن؛ لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي.
ويَحْتَمِل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة، بل إخبار عن الواقع فقط. انتهى.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أي: الباءةَ (فَعَلَيْهِ) في رواية مغيرة، عن إبراهيم، عند الطبرانيّ: "ومن لم يَقْدِر على ذلك، فعليه بالصوم".
قال المازريّ: فيه إغراء بالغائب، ومن أصول النحويين أن لا يُغْرَى بالغائب، وقد جاء شاذًا قول بعضهم: عليه رجلًا ليسني، على جهة الإغراء.
وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة، والزجاجيّ، ولكن فيه غلط من أوجه:
أما أوَّلًا: فمن التعبير بقوله: فيه إغراء بالغائب، والصواب فيه إغراء الغائب، فأما الإغراء بالغائب فجائزٌ، ونَصَّ سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدًا، ولا يجوز عليه زيدًا عند إرادة غير المخاطب، وإنما جاز للحاضر؛ لما فيه من دلالة الحال، بخلاف الغائب، فلا يجوز؛ لعدم حضوره، ومعرفته بالحالة الدالة على المراد.
وأما ثانيًا: فإن المثال ما فيه حقيقة الإغراء، وإن كانت صورته، فلم يُرِد القائل تبليغ الغائب، وإنما أراد الإخبار عن نفسه، بأنه قليل المبالاة بالغائب، ومثله قولهم: إليك عني؛ أي: اجعل شغلك بنفسك، ولم يُرِد أن يُغْرِيه به، وإنما مراده: دَعْنِي، وكُنْ كمن شُغِل عني.
وأما ثالثًا: فليس في الحديث إغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أوّلًا بقوله: "من استطاع منكم"، فالهاء في قوله: "فعليه" ليست لغائب، وإنما هي للحاضر المبهم؛ إذ لا يصح خطابه بالكاف، ونظير هذا قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، ومثله لو قلت لاثنين: من قام منكما فله درهم، فالهاء للمبهم من المخاطبين، لا للغائب. انتهى مُلَخّصًا.