الداعي فيهم إلى النكاح، بخلاف الشيوخ، وإن كان المعنى معتبرًا إذا وُجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا (الْبَاءَةَ) بالهمز، وتاء تأنيث ممدود، وفيها لغة أخرى بغير همز، ولا مدّ، وقد يهمز ويمدّ بلا هاء، ويقال لها أيضًا: الباهة، كالأول، لكن بهاء بدل الهمزة، وقيل: بالمد القدرة على مؤن النكاح، وبالقصر الوطء، قال الخطابيّ: المراد بالباءة النكاح، وأصله الموضع الذي يتبوؤه، ويأوي إليه، وقال المازريّ: اشتُقَّ العقد على المرأة من أصل الباءة؛ لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوِّءها منزلًا.
وقال النوويّ: اختَلَف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين، يرجعان إلى معنى واحد: أصحهما: أن المراد معناها اللغويّ، وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع؛ لقدرته على مُؤَنه، وهي مُؤَن النكاح، فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع؛ لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شَرَّ مَنِيِّهِ، كما يقطعه الوِجَاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مَظِنّة شهوة النساء، ولا ينفكّون عنها غالبًا.
والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة مُؤَن النكاح، سُمِّيت باسم ما يلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مُؤَن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم؛ لدفع شهوته، والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم؛ لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن، وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور. انتهى.
قال في "الفتح": والتعليل المذكور للمازريّ، وأجاب عنه القاضي عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان، فيكون المراد بقوله: "من استطاع الباءة" أي: بلغ الجماع، وقدر عليه فليتزوج، ويكون قوله: "ومن لم يستطع" أي من لم يقدر على التزويج.
قال الحافظ: وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفيّ، فيَحْتَمِل أن يكون المراد: ومن لم يستطع الباءة، أو من لم يستطع التزويج، وقد وقع كل منهما صريحًا، فعند الترمذيّ في رواية عبد الرحمن بن يزيد، من طريق الثوريّ، عن الأعمش: "ومن لم يستطع منكم الباءة"، وعند الإسماعيليّ من هذا الوجه، من