أحدها: نفس الكعبة، كقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
الثاني: الكعبة، وما حولها من المسجد، كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]، فالمراد نفس المسجد في قول أنس بن مالك - رضي الله عنه -، ورجحه الطبريّ، وفي "الصحيح" ما يدل له، وقيل: أُسري به من بيت أم هانئ - رضي الله عنها -، وقيل: من شعب أبي طالب، فيكون المراد على هذا في هذه الآية: مكة.
الثالث: جميع مكة، ومنه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح: 27]، قال ابن عطية: وعِظم القصد هنا إنما هو مكة.
الرابع: جميع الحرم الذي يحرم صيده، ومنه قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7]، وإنما كان عهدهم بالحديبية، وهي من الحرم، وكذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنه الحرم جميعه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن استعمال المسجد الحرام للحرم كله أكثر، فتفطن.
ثم إنه قد اختُلِف في هذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة، أيهما أفضل؟ فعند الشافعيّ - رحمه الله -: معناه إلا مسجد الكعبة، فإن الصلاة فيه، أفضل من الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم -، وعند مالك - رحمه الله -: إلا مسجد الكعبة، فإن الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - تفضله بدون الألف، والقول الأول أرجح، وقد تقدَّم تحقيق القول في ذلك قريبًا، وبالله تعالى التوفيق.
[تنبيه]: قال النوويّ - رحمه الله -: أفتت ميمونة - رضي الله عنها - هذه المرأة التي نذرت الصلاة في بيت المقدس أن تصلي في مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستدلت بالحديث، وهذه الدلالة ظاهرة، قال: وهذا حجة لأصح الأقوال في مذهبنا في هذه المسألة، فإنه إذا نذر صلاة في مسجد المدينة، أو الأقصى، هل تتعين؟ فيه قولان: الأصح تتعين، فلا تجزئه تلك الصلاة في غيره، والثاني: لا تتعين بل