وفي رواية البخاريّ في "كتاب الجزية" من طريق سفيان، عن الأعمش:
"ما كتبنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا القرآن، وما في هذه الصحيفة"، وفي رواية له
في "العلم " من طريق مُطَوِّف، عن الشعبيّ، عن أبي جحيفة قال: قلت
لعليّ -رضي الله عنه-: هل عندكم كتاب؛ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فَهْمٌ أعطيه رجل
مسلم، أو ما في هذه الصحيفة.
قال الحافظ: قوله: "هل عندكم " الخطاب لعليّ -رضي الله عنه-، والجمع إما
لإرادته مع بقية أهل البيت، أو للتعظيم، وقوله: "كتاب " أي: مكتوب أخذتموه
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مما أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية البخاريّ في
"الجهاد": "هل عندكم شيء من الوحي، إلا ما في كتاب الله؟ ". وله في
"الديات": "هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ "، وفي " مسند إسحاق ابن
راهويه "رحمه الله عن جرير، عن مُطَرِّف: "هل علمت شيئًا من الوحي؟ ".
وإتما ساله أبو جحيفة عن ذلك؛ لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن
عند أهل البيت لا سيّما عليّ أشياءَ من الوحي، خَصَّهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بها لم يطلع
غيرهم عليها.
وقد سأل عليًّا عن هذه المسألة أيضًا قَيس بن عُبَاد- بضم العين،
وتخفيف الباء- والأشتر النخعيّ، وحديثهما عند النسائيّ، ومسند الإمام أحمد
(1/ 122).
(فِيهَا)؛ أي: في تلك الصحيفة المعلّقة في قراب سيفه (أَسْنَانُ الإِبِلِ)؛
أي: بيان مقادير أسنان الإبل التي تُعطى في الدية (وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ)؛
أي: الجراحات التي تكون في بدن الإنسان بسبب الاعتداء عليه، فيجب فيها
القصاص، أو الدية.
(وَهيهَا)؛ أي: تلك الصحيفة أيضًا (قَالَ النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ) قال النوويّ رحمه الله: أما "عَيْرٌ" فبفتح العين المهملة، وإسكان المثناة
تحتُ، وهو جبل معووف، قال القاضي عياض: قال مصعب بن الزبير وغيره:
ليس بالمدينة عَيْرٌ، ولا ثَوْرٌ، قالوا: وإنما ثوو بمكة، قال: وقال الزبير: عَيْرٌ
جبل بناحية المدينة، قال القاضي: أكثر الرواة في كتاب البخاري ذكروا عَيْرًا،
وأما ثور فمنهم من كَنَى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضًا؛ لأنهم اعتقدوا