معظم الليل؛ إذ المبيت ورد مطلقًا والاستيعاب غير واجب اتفاقًا، فأقيم

المعظم مقام الكل، ولا فرق بين أول الليل وآخره، وفي قولٍ أن المعتبر الكون

بمنى عند طلوع الفجر، ومن حضر بها قبله فقد أدى واجب المبيت.

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن المبيت بمنى ليالي منى واجب، فلو ترك

المبيت بها في الليالي الثلاث، فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وعنه يتصدق

بشيء، وعنه لا شيء عليه، فإن ترك المبيت في ليلة من لياليها ففيه ما في

الحصاة الواحدة من الأقوال: قيل: مُدّ، وقيل: درهم، وقيل: ثلث دم.

وقال الحافظ رحمه الله: في الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى، وأنه

من مناسك الحج؛ لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن

وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد هي، أو ما في معناها لم يحصل الإذن،

وبالوجوب قال الجمهور، وفي قول للشافعيّ، وورواية عن أحمد، وهو مذهب

الحنفية أنه سنة، ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الاختلاف، ولا يحصل

المبيت إلا بمعظم الليل. انتهى، وما ذكره من أخذ الوجوب من الحديث

المذكور واضح.

وقال الحافظ رحمه الله: وهل يختص الإذن بالسقاية، وبالعباس، أو بغير

ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم؟ فقيل: يختص الحكم بالعباس،

وهو جمود، وقيل: يدخل معه آله، وقيل: قومه، وهم بنو هاشم، وقيل: كل

من احتاج إلى السقاية، فله ذلك، ثم قيل أيضًا: يختص الحكم بسقاية

العباس، حتى لو عُملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها،

ومنهم من عمّمه، وهو الصحيح في الموضعين، والعلة في ذلك إعداد الماء

للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء، أو يلتحق به ما في معناه من الأكل

وغيره؟ محل احتمال، وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه، أو أمر

يخاف فوته، أو مريض يتعاهده بأهل السقاية، كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء

خاصة.

قال الزرقانيّ رحمه الله: لكنهم لم يجزموا بذلك بالإلحاق، إنما هو بالنص

الذي رواه مالك، وأصحاب السنن الأربع عن عاصم بن عدي: أن

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015