وبالاحتمالين معاً فسره القاري حيث قال: "لم أشعر" أي ما عرفت تقديم
بعض المناسك وتأخيرها فيكون جاهلاً؛ لقرب وجوب الحج، أو فعلت ما
ذكرتُ من غير شعور؛ لكثرة الاشتغال، فيكون مخطئاً. انتهى (?).
(فَحَلَقْتُ) أي شعر رأسي (قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ) أي الهدي، والفاء سببية، جعل
الحلق مسبّباً عن عدم الشعور، كأنه يعتذر لتقصيره (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("اذْبَحْ) أي
الآن، وفي رواية يونس التالية: "انحر" (وَلَا حَرَجَ") أي لا ضيق عليك، يعني
أنه لا شيء عليه مطلقاً من الإثم، لا في الترتيب، ولا في ترك الفدية، هذا
ظاهره، وقال بعض الفقهاء: المراد نفي الإثم فقط، وفيه نظر؛ لأن في بعض
الروايات الصحيحة: "ولم يأمر بكفّارة"، قاله في "الفتح" (?).
قال الجامع عفا الله عنه: من قال: بعدم الفدية بمخالفة الترتيب في
وظائف يوم النحر حَمَلَ نفي الحرج علكانفي الإثم والفدية معاً، وهذا هو
القول الصحيح، قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "اذبح، ولا حرج"، ليس
أمراً بالإعادة، وإنما هو إباحة لما فَعَل؛ لأنه سأل عن أمر فَرَغ منه، فالمعنى:
افعل متى شئت، ونَفْيُ الحرج بَيِّنٌ في رفع الفدية عن العامد والساهي، وفي
رفع الإثم عن الساهي، وأما العامد فالأصل أن تارك السنة عمداً لا يأثم إلا
أن يتهاون، فيأثم للتهاون، لا للترك. انتهى.
وأما من ذهب إلى وجوب الدم فقد حمله على نفي الإثم فقط، قال
الباجيّ: يَحْتَمِل أن يريد لا إثم عليك؛ لأن الحرج الإثم، ومعظم سؤال السائل
إنما كان ذلك خوفاً من أن يكون قد أثم، فأعلمه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا حرج عليه؛
إذ لم يقصد المخالفة، وإنما أتى ذلك عن غير علم، ولا قصد مع خفة الأمر.
انتهى.
وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "حاشية ابن ماجه": معناه عند الجمهور أنه لا
إثم، ولا دم، ومن أوجب الدم حمله على دفع الإثم وهو بعيد؛ إذ الظاهر
عموم النفي لحرج الدنيا، وحرج الآخرة، وأيضاً لو كان دم لبيّنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ