وقال القاري: الظاهر أن المراد بالاستجمار هنا أي في قوله: "إذا
استجمر أحدكم ... إلخ": هو التبخر، فإنه يكون بوضع العُود على جمرة
النار، فيرتفع التكرار، وهو أولى من قول القاضي عياض، وتبعه الطيبيّ: إن
المراد بالأول الفعل، وبالثاني عدد الأحجار. انتهى.
وقال السنديّ في "حاشية مسلم": يَحْتَمِل عندي في وجوه التكرير أن
يُحمَل الاستجمار في هذا الحديث في أحد الموضعين على الاستنجاء، وفي
الموضع الآخر على التبخر، كتبخير أكفان الميت ونحوه، والله تعالى أعلم.
انتهى (?).
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "الاستجمار توٌّ" قد تقدَّم في "كتاب الطهارة":
أن الاستجمار يُقال على استعمال الحجارة في محل الغائط والبول، ويقال على
استعمال مجمرة البَخُور. وقد ذكرنا هناك اختيار مالك فيها، وقد ذُكِر في هذا
الحديث الاستجمار مرتين، فيَحْسُن في هذا الحديث أن يُحْمَل أحدهما على
استعمال الحجارة في المخرجين، والآخر على استعمال البَخُور، كما صار إليه
مالك، ويجوز حمل الثاني على التأكيد، وفيه بُعدٌ.
قال: و"التوّ": الوتر والفرد، وفي الحديث: "فما مضت إلا توَّة واحدة"
أي: ساعة واحدة، ويقال في غير هذا: جاء فلان تَوّاً؛ أي: قاصداً لا يُعَرِّج
على شيء، ولا خلاف في وجوب الوتر في السعي، والطواف، ورمي الجمار،
واختُلِف في الاستنجاء على ما مضى. انتهى (?).
وقيل: التوّ: الوتر، ويكون على وجهين:
أحدهما: أن الطواف سبعة أطواف، وكذلك السعي سبع، وهو غير
شفع.
والوجه الآخر: أن الطواف الواجب طوافٌ واحدٌ لا يُثَنّى ولا يُكرّر،
وكذلك السعي، سواء أكان المحرم مفرداً، أو قارناً. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأخير بعيدٌ، يُبعده سياق الحديث،