كان حين رمي الجمرة، ورواية المصنّف هنا بلفظ: "حين رمى جمرة العقبة،

وانصرف" تدلّ على أنه كان بعد رمي الجمرة، فكيف التوفيق بين الروايتين؟

[قلت]: يُمكن الجمع بينهما بأن الإظلال كان في الحالين: حال الرمي،

وحال الانصراف، والله تعالى أعلم.

(قَالَتْ) أم الحصين - رضي الله عنها - (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلاً كَثِيراً) وفي رواية

النسائيّ: "ثم خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، وذَكَر قولاً كثيراً" أي ذكر

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تلك الخطبة أحكاماً كثيرة، ومن جملة ذلك قوله هنا: "إن أُمّر

عليكم ... " لخ".

ومنه: ما يأتي للمصنّف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة، عن يحيى بن

الحصين، عن جدّته: "أنها سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دعا للمحفقين

ثلاثاً، وللمقصّرين مرّةً"، ولفظ أحمد في "مسنده": قال: سمعت جدّتي تقول:

سمعت نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات يخطب، يقول: "غفر الله للمحلّق" ثلاث مرّار،

قا لوا: والمقصّر؟ فقال: "والمقصّرين"، في الرابعة.

(ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمِّرَ) بضمّ أوله، وتشديد الميم، مبنيّاً للمفعول:

أي جُعل عليكم أميراً (عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ) أي مقطوع الأطراف، يقال: جَدَعتُ

الأنف جدعاً، من باب نفع: قطعته، وكذا الأذنُ، واليدُ، والشفة، قاله

الفيّوميّ.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْمُجَدَّع - بفتح الجيم والدال المهملة المشددة،

والجدع: القطع من أصل العضو، ومقصوده التنبيه على نهاية خسته، فإن العبد

خسيس في العادة، ثم سواده نقص آخر، وجَدْعه نقص آخر، وفي الحديث

الآخر: "كأن رأسه زَبِيبة"، ومَن هذه الصفات مجموعة فيه فهو في نهاية

الخسة، والعادة أن يكون ممتهناً في أرذل الأعمال، فأمر - صلى الله عليه وسلم - بطاعة وليّ

الأمر، ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى.

قال العلماء: معناه: ما داموا متمسكين بالإسلام، والدعاء إلى كتاب الله

تعالى، على أيّ حال كانوا في أنفسهم، وأديانهم، وأخلاقهم، ولا يُشَقّ عليهم

العصا، بل إذا ظهرت منهم المنكرات وُعِظُوا، وذُكِّروا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015