وَأَغُضُّ طَرْفِي مَا بَدَتْ لِيَ جَارَتِي ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأوَاهَا (?)
وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أن تزاني حليلة جارك" هي بالحاء المهملة، وهي زوجته، سُمّيت بذلك؛ لكونها تَحِلّ له، وقيل: لكونها تَحِلّ معه، ومعنى "تزاني": أي تزني بها برضاها، وذلك يتضمن الزنا وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني، وذلك أفحش، وهو مع امرأة الجار أشدّ قبحًا، وأعظم جُرْمًا؛ لأن الجار يتوقع من جاره الذّبّ عنه، وعن حريمه، ويأمن بوائقه، ويطمئن إليه، وقد أُمر بإكرامه، والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كلَّه بالزنا بامرأته، وإفسادها عليه، مع تمكّنه منها على وجه لا يتمكّن غيره منه، كان في غاية من القبح. انتهى (?).
وقال القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: قدّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الثلاثة الأشياء؛ لاعتياد الجاهليّة بها من الكفر بالله - عَزَّ وَجَلَّ -، وفاحش الزنا، ووأد البنات، وهي الإشارة بقتل الولد - والله أعلم - لأن العرب إنما كانت تَئِد البنات لوجهين: لفرط الغيرة، ومخافة فضيحة السبي والعار بهنّ، أو لتخفيف نفقاتهن ومؤنهنّ، وهو معنى قوله تعالى: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} الآية، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مخافة أن يطعَم معك"، وكانوا يتحمّلون ذلك في المذكور لِمَا يُؤمّلون فيهم من شدّ العضُد، وحِماية الجانب، وكثرة العشيرة، وبقاء النسل والذكر، وقد نبَّهَ الله تعالى على هذا بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ} [النحل: 58 - 59].
ثم ذكر الزنا، وخصّه بحليلة الجار؛ لأنه عُظْم بابه، إذ لا يُزاني الرجل غالبًا إلَّا من يُمكنه لقاؤه، ويجاوره في محلّته وقريته.
ونبّه بإضافة الحليلة إلى الجار على عظيم حقّه، وأنه يجب له عليك من الغيرة عليه من الفاحشة ما يجب لحليلتك، والحديث الآخر يُبيّنه. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.