إيقاع للمحرم في حرج شديد، وذلك ينافي التيسير الذي أراده تعالى لعباده،
فمانه تعالى ما شَرَع التحلل للمحصر بالهدي إلا تيسيرًا عليه، وقد قال الله
تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ م} الآية [الحجّ: 78]، فإذا قلنا بوجوب
الانتظار المذكور، فقد عاكسنا مراد الشارع الحكيم الرؤوف الرحيم، فتبصّر
بالإنصاف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): لم يفرّق الشافعية، والحنابلة في جواز التحلّل بين أن
يكون الإحصار قبل الوقوف بعرفة، أو بعده.
وخصّ الحنفية، والمالكيّة ذلك بما إذا كان قبل الوقوف.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأولون هو الأرجح عندي؛
لإطلاق الأدلة التي تبيح التحلل عن تقييده بشيء، فتأمله، والله تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): اختلفوا في أنه هل يجب على المحصر إراقة دم، أم
لا؟ فقال جمهور العلماء بوجوبه، وبه قال أشهب من المالكية، وقال مالك:
لا يجب، وتابعه ابن القاسم صاحبه. ثم اختلف القائلون بوجوب الدم في
محلّ إراقته، فقال الشافعيّة، والحنابلة: يريقه حيث أُحصر، ولو كان من الحلّ
لأنه -صلى الله عليه وسلم- كذلك فجل في الحديبية: ودلّ على الإراقة في الحلّ قوله: {وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]، فدلّ على أن الكفار منعوهم من إيصاله إلى
محله، وهو الحرم. ذكر هذا الاستدلال الشافعيّ.
وقال عطاء، وابن إسحاق: بل نحر بالحرم، وخالفهما غيرهما من أهل
المغا زي، وغير هم.
وقال الحنفية: لا يجوز ذبحه إلا في الحرم، فيرسله مع إنسان، ويواعده
على يوم بعينه، فإذا جاء ذلك اليوم تحلّل، ثم قال أبو حنيفة: يجوز ذبحه قبل
يوم النحر، وقال صاحباه: يختصّ ذبحه في الإحصار عن الحجّ بيوم النحر،
قاله وليّ الدين رحمه الله (?).
وقال في "الفتح " ما حاصله: قال الجمهور: يذبح المحصر الهدي حيث