فبيّن بهذا أن التمتّع الذي كان ينهى عنه عثمان -رضي الله عنه-، هو التمتّع
المشهور، ويكون نهيه من باب الأفضليّة، حيث يرى أن الإفراد أفضل من
التمتّع، ويكون معنى قوله: "ولكنا كنا خائفين"، إن صحّت الزيادة ما تقدّم عن
القرطبيّ، وهو خوفهم أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتّع.
وبالجملة فما رآه عمر وعثمان -رضي الله عنهما- هو اجتهاد منهما، وإنما الفضل
والثواب الكثير فيما سنّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، واختاره، كما أشار إليه عليّ -رضي الله عنه-، فتنبّه،
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه
التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عليّ -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنف) هنا [2/ 2962 و 2963 و 2964] (1223)،
و(البخاريّ) في "الحجّ" (1563 و 1569)، و (النسائيّ) في "المناسك" (2722
و2723 و 2733) وفي "الكبرى" (3702 و 3703 و 3713)، و (أحمد) في
"مسنده" (1/ 61 و 57 و 97)، و (الدارميّ) في "سننه" (1923)، و (أبو نعيم) في
"مستخرجه" (3/ 322)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (5/ 22)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 - (منها): بيان مشروعية التمتّع.
2 - (ومنها): إشاعة العالم ما عنده من العلم، وإظهاره للناس، ومناظرة
ولاة الأمور، وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك؛ لقصد مناصحة المسلمين.
3 - (ومنها): البيان بالفعل مع القول؛ ليكون أبلغ، فقد أهلّ عليّ -رضي الله عنه-
متمتّعًا.
4 - (ومنها): جواز الاستنباط من النصّ؛ لأن عثمان -رضي الله عنه- لم يخف عليه
أن التمتّع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما؛ ليُعمل بالأفضل في ظنّه، وهو
الإفراد، كما وقع لعمر -رضي الله عنه-، لكن خشي عليّ -رضي الله عنه- أن يَحْمِل غيرُهُ النهيَ على
التحريم، فأشاع جواز ذلك، وكلّ منهما مجتهد مأجور.