لتحمّسهم في دينهم، أو لالتجائهم بالحَمْساء، وهي الكعبة؛ لأن حجرها أبيض
إلى السواد. انتهى.
وروى إبراهيم الحربيّ في "غريب الحديث" من طريق ابن جريج، عن
مجاهد، قال: الحُمْس: قريش، ومن كان يأخذ مأخذها من القبائل، كالأوس،
والخزرج، وخزاعة، وئقيف، وغزوان، وبني عامر، وبني صعصعة، وبني
كنانة، إلا بني بكر، والأحمس في كلام العرب: الشديد، وسمّوا بذلك لما
شدّدوا على أنفسهم، وكانوا إذا أهلّوا بحجّ، أو عمرة لا يأكلون لحمًا، ولا
يضربون وَبَرًا، ولا شعرًا، وإذا قَدِموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم.
وذكر الحربيّ أيضًا في "غريبه" عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال:
كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم، فدخل
في الحمس من غير قريش ثقيف، وليث، وخزاعة، وبنو عامر بن صعصعة-
يعني: وغيرهم- قال الحافظ: وعُرِف من هذا أن المراد بهذه القبائل من كانت
له من أمهاته قريشية، لا جميع القبائل المذكورة. انتهى (?).
(وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ) أي بقيّتهم غير الْحُمْس، ومن دان دينها (يَقِفُونَ
بِعَرَفَةَ) على العادة القديمة، والطريقة المستقيمة الموروثة عن إبراهيم-عليه السلام- (فَلَمَّا
جَاءَ الاسْلَامُ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأتيَ عَرَفَاتٍ، فَيَقِفَ بِهَا) اتّباعًا لدين إبراهيم -عليه السلام-
(ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا) أي يدفع من عرفات إلى المزدلفة (فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ
أَفِيضُوا} أي ادفعوا أنفسكم، أومطاياكم يا معشر قريش.
وقال في "الفتح": وعُرف برواية عائشة -رضي الله عنها- هذه أن المخاطب بقوله
تعالى: {أَفِيضُوا} النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والمراد: من كان لا يقف بعرفة من قريش
وغيرهم. انتهى.
({مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) أي غيركم، وهو عرفات، والمقصود
رجوعهم من ذلك المكان، ولا شكّ أن الرجوع منه يستلزم الوقوف فيه؛ لأنه
مسبوق به، فلزم من ذلك الأمر بالوقوف من حيث وقف الناس، وهو عرفة (?).