وأما المشعر الحرام: فبفتح الميم هذا هو الصحيح المشهور، وبه جاء
القرآن، وهو المعروف في رواية الحديث، قال صاحب "المطالع": ويجوز كسر
الميم، لكن لم يرد إلا بالفتح، وحَكَى الجوهريّ الكسر، ومعنى "الحرام":
الْمُحَرَّم؛ أي: الذي يحرم فيه الصيد وغيره، فإنه من الحرم، ويجوز أن يكون
معناه: ذا الحرمة.
واختَلَفَ العلماء في المشعر الحرام، هل هو المزدلفة كلها، أم بعضها؟
وهو قُزَحُ خاصَّة، وقد تقدّم بيان الخلاف في ذلك.
قال العلماء: سُمِّي مَشْعَرًا؛ لما فيه من الشعائر، وهي معالم الدين، وطاعة الله
تعالى. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- في "المجموعِ" (?)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا.
والحديث من أفراد المصنّف -رحمه الله-، وقد مضى تمام البحث فيه في شرح
حديث أول الباب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- المذكور أولَ الكتاب قال:
[2953] ( ... ) - (وَحَدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثنا
سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أتى الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 - (يَحْيَى بْنُ آدَمَ) بن سليمان الأمويّ مولاهم، أبو زكرياء الكوفيّ، ثقةٌ
حافظٌ فاضلٌ، من كبار [9] (ت 203) (ع) تقدم في "المقدمة" 4/ 24.
2 - (سُفْيَانُ) بن سعيد الثوريّ، أبو عبد الله الكوفيّ الإمام الحجة الثبت
الفقيه، من كبار [7] (ت 161) (ع) تقدم في "المقدمة" 1/ 1.
والباقون ذُكروا في الباب، و"إسحاق بن إبراهيم" هو: ابن راهويه.
وقوله: (لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أتى الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ
ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا) قال النوويّ -رحمه الله-: في هذا الحديث أن السنة للحاجّ أن يبدأ
أول قدومه بطواف القدوم، ويُقَدِّمه على كل شيء، وأن يستلم الحجر الأسود