ذكرت من أني سُقت الهدي، فمن كان منكم (لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ) بسكون الدال
وتخفيف الياء، وكسرها وتشديد الياء (فَلْيَحِلَّ) بكسر الحاء، وفي رواية عند
أحمد: "فليحلل" بسكون الحاء؛ أي: ليصر حلالًا، وليخرج من إحرامه بعد
فراغه من أفعال العمرة (وَلْيَجْعَلْهَا) أي: الحجة (عُمْرَةً") إذ قد أبيح له ما حرم
عليه بسبب الإحرام حتى يستأنف الإحرام للحج، والواو لمطلق الجمع؛ إذ
الجعل مقدّم على الخروج؛ لأن المراد من الجعل الفسخ، وهو أن يفسخ نيّة
الحجّ، ويقطع أفعاله، ويجعل إحرامه وأفعاله للعمرة، أو الواو للعطف
التفسيريّ، قاله القاري رحمهُ اللهُ.
وفي رواية عطاء عن جابر عند الشيخين، "فقال: أحلّوا من إحرامكم"؛
أي: اجعلوا حجكم عمرةً، وتحلّلوا منها بالطواف والسعي، فطوفوا بالبيت،
وبين الصفا والمروة، وقصّروا، وأقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية،
فأهلُّوا بالحجّ، واجعلوا التي قدِمتم بها مُتعةً، قال الحافظ؛ أي: اجعلوا
الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرةً تتحلّلون منها، فتصيرون متمتّعين، فأطلق
على العمرة متعةً مجازًا، والعلاقة بينهما ظاهرة. انتهى (?).
(فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) بضم الجيم، وضمّ الشين المعجمة،
وفتحها، كما ذكره الجوهريّ وغيره، َ تقدّمت ترجمته في الباب الماضي، زاد
في رواية أحمد، وابن الجارود: "وهو في أسفل المروة" (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ
أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ ) الإشارة إلى جواز فسخ الحج إلى العمرة، كما هو ظاهر
سياق الحديث، وقال به المحقّقون، أو الإتيان بالعمرة في أشهر الحجّ، أو مع
الحجّ، كما قال الأكثرون؛ أي: هل يختصّ هذا بهذه السنة، أم هو إلى الأبد؛
أي: للحال والاستقبال، وفي رواية النسائيّ، وابن ماجه، والبيهقيّ: "أرأيت
عمرتنا -وفي لفظ: متعتنا- ألعامنا هذا أم للأبد؟ ".
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وقول سراقة بن جُعْشُم: "أَلِعَامِنا هذا أم لأبد؟ ..
إلخ" ظاهر هذا السؤال والجواب: أنهما في فسخ الحج في العمرة، فيقتضي
أن ذلك جائز مطلقًا مُؤبّدًا، وليس مخصوصًا بالصحابة، وبهذا استدل من قال