قال النوويّ رحمه الله: فيه صحة حج الصبيّ، والحج به، ومذهب مالك،
والشافعيّ، وأحمد، والعلماء كافّة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم أنه يصح
حج الصبيّ، ويثاب عليه، ويترتب عليه أحكام حجّ البالغ، إلا أنه لا يجزيه عن
فرض الإسلام، فاذا بلغ بعد ذلك، واستطاع لزمه فرض الإسلام.
وخالف أبو حنيفة الجمهور، فقال: لا يصح له إحرام، ولا حجّ، ولا
ثواب فيه، ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحجّ، قال: وإنما يُحَجّ به ليتمرّن،
ويتعلّم، ويتجنب محظوراته للتعلم، قال: وكذلك لا تصح صلاته، وإنما يؤمر
بها؛ لما ذكرناه، وكذلك عنده سائر العبادات، والصواب مذهب الجمهور؛
لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة رفعت صبيًّا، فقالت: يا رسول الله ألهذا حجّ؟
قال: "نعم". انتهى كلام النوويّ رحمه الله (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وقوله: (فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ) أي: جامعناهنّ.
وقوله: (وَمَسِسْنَا الطِّيبَ) -بكسر السين الأولى- هذه هي اللغة
المشهورة، وفي لغة قليلة بفتحها، حكاها أبو عبيدة، والجوهريّ، قال
الجوهريّ: يقال: مَسِسْتُ الشيءَ -بكسر السين- أَمَسَّه -بفتح الميم- مَسًّا،
فهذه اللغة الفصيحة، قال: وحكى أبو عبيدة: مَسَسْتُ الشيءَ -بالفتح- أَمُسّه -
بضم الميم- قال: وربما قالوا: مَسْتُ الشيءَ، يحذفون منه السين الأولى،
وُيحَوِّلون كسرتها إلى الميم، قال: ومنهم من لا يُحَوِّل، ويترك الميم على
حالها مفتوحة، ذكره النوويّ رحمه الله (?).
قوله: (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) "كان" هنا تامّة، فـ"يومُ" مرفوع على
الفاعليّة؛ أي: فلما جاء يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة.
وقوله: (وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أراد القارن منهم،
وأما المتمتع فلا بد له من السعي بين الصفا والمروة في الحج بعد رجوعه من
عرفات، وبعد طواف الإفاضة.
وقوله: (فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي
بَدَنَةٍ) "البدنةُ": تُطْلَق على البعير، والبقرة، والشاة، لكن غالب استعمالها في