وأما تأويل الجمهور بما ذُكر، ففيه نظر لا يخفى؛ إذ لو كان كذلك
لاستفصله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هل سعى بعد طواف القدوم أم لا؟ فلما لم يستفصله علمنا
أنه على عمومه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال:
[2938] ( ... ) - (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ -قَالَ ابْنُ
حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ -أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: َّ دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-،
وَهِيَ تَبْكِي، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ
حَدِيثِ اللَّيْثِ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
كلّهم ذُكروا في الباب.
وقوله: (فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ ... إلخ) فاعل "ذَكَر" ضمير ابن جريج.
[تنبيه]: رواية ابن جريج، عن أبي الزبير هذه ساقها البيهقيّ رحمه الله في
"الكبرى" (5/ 106) فقال:
(9206) - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ محمد بن يعقوب الشيبانيّ،
ثنا إبراهيم بن إسحاق، ثنا هارون بن عبد الله (ح) وأنبا أبو عبد الله، قال:
وأخبرني أبو أحمد الحافظ، أنبأ أبو عروبة، حدثنا الفضل بن يعقوب، قالا:
ثنا محمد بن بكر، ثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يقول:
دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على عائشة، وهي تبكي، فقال: "ما لك تبكين؟ " قالت: أبكي
أن الناس حَلُّوا، ولم أَحْلِل، وطافوا بالبيت، ولم أطف، وهذا الحجّ قد
حَضَر، قال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، وأهلِّي بالحج،
ثم حجي"، قالت: ففعلت ذلك، فلما طَهُرت، قال: "طوفي بالبيت، وبين
الصفا والمروة، ثم قد حللتِ من حجك وعمرتك"، فقالت: يا رسول الله إني
أجد في نفسي من عمرتي، إني لم أكن طُفْت حتى حججت، فقال: "اذهب بها
يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم". انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب.