أبي وقّاص، عن أبيه، أنه سمع رجلًا يقول: "لبيك ذا المعارج"، فقال: إنه
لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبّي على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، قال: فهذا سعد
قد كره الزيادة في التلبية، وبه نأخذ. انتهى.
قال الحافظ: ويدلّ على الجواز ما وقع عند النسائيّ من طريق
عبد الرَّحمن بن يزيد، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كان من تلبية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... "،
فذكره. ففيه دلالة على أنه قد كان يلبّي بغير ذلك، وما رواه مسلم عن ابن
عمر - رضي الله عنهما -، قال: "كان عُمر يُهلّ بهذا - يعني تلبية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المذكورة في الباب -
ويزيد: لبيك اللَّهم لبيك، وسعديك، والخير كله في يديك، والرغباء إليك،
والعمل".
وروى سعيد بن منصور، من طريق الأسود بن يزيد، أنه كان يقول:
"لبيك غفار الذنوب".
وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حتى إذا استوت به
ناقته على البيداء أهلّ بالتوحيد، لبيك اللَّهم لبيك ... إلخ"، قال: "وأهلّ
الناس بهذا الذي يُهلّون به، فلم يردّ عليهم شيئًا منه، ولزم تلبيته".
وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه مسلم، قال: "والناس يزيدون:
"ذا المعارج"، ونحوه من الكلام، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يسمع، فلا يقول لهم شيئًا"، وفي
رواية البيهقيّ: "ذا المعارج، وذا الفواضل".
وهذا يدلّ على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو - صلى الله عليه وسلم -
عليها، وأنه لا بأس بالزيادة؛ لكونه لَمْ يردّها عليهم، وأقرّهم عليها.
وهو قول الجمهور، وبه صرّح أشهب، وحكى ابن عبد البرّ عن مالك
الكراهة، قال: وهو أحد قولي الشافعيّ، وقال الشيخ أبو حامد: حكى أهل
العواق عن الشافعيّ - يعني في القديم - أنه كره الزيادة على المرفوع، وغَلِطوا،
بل لا يكره، ولا يستحبّ، وحَكَى الترمذيّ عن الشافعيّ، قال: فإن زاد في
التلبية شيئًا من تعظيم اللَّه فلا بأس، وأحبُّ إليّ أن يقتصر على تلبية رسول
اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه، ثم زاد من قبله زيادة، ونصب
البيهقيّ الخلاف بين أبي حنيفة، والشافعيّ، فقال: الاقتصار على المرفوع
أحبّ، ولا ضيق على أحد أن يزيد عليها، قال: وقال أبو حنيفة: إن زاد