كيف يحتجّ هنا بما نُقل عن ابن عباس، وغيره في معارضة الأحاديث
المرفوعة، ويردّ قوله: من أراد من أهل مكة أن يعتمر خرج إلى التنعيم،
ويجاوز الحرم بأنه أثر موقوف، لا يقاوم المرفوع، مع أنه يوافق المرفوع في
كونه - صلى الله عليه وسلم - أعمر عائشة من التنعيم؟ وكذا ردّه قول المحبّ الطبريّ: إنه لا يعلم
أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، فقال: جوابه أنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها ميقاتًا لها بهذا
الحديث؛ فهلا قال هنا: إن هذه الآثار عن الصحابة لا تقاوم المرفوع، إن هذا
تناقض عجيب.
قال: وورد في تفسير الآية أن الحجِّ والعمرة تمامهما بهما من دُويرة
أهلك عن عليّ، وابن مسعود، وإن كان قد تُؤُوّل بأن مرادهما أن ينشأ لهما
مفردأً من بلده، كما أنشأ - صلى الله عليه وسلم - لعمرة الحديبية والقضاء سفرًا من بلده، ويدلّ
لهذا التأويل أنّ عليًّا - رضي الله عنه - لَمْ يفعل ذلك، ولا أحد من الخلفاء الراشدين، ولم
يُحرموا بحجّ، ولا عمرة إلَّا من الميقات، بل لَمْ يفعله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يكون ذلك
تمام الحجِّ، ولم يفعله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء، ولا جماهير الصحابة؟ .
قال: نعم، الإحرام من بيت المقدس بخصوصه ورد فيه حديث أم
سلمة - رضي الله عنهما -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أهلّ من المسجد الأقصى
بعمرة، أو بحجّة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه" (?)، وله ألفاظ عند أبي داود، وابن
ماجة.
قال: فيكون هذا مخصوصًا ببيت المقدس، فيكون الإحرام منه خاصّة
أفضل من الإحرام من المواقيت، ويدلّ له إحرام ابن عمر منه، ولم يفعل ذلك
من المدينة، على أن منهم من ضعّف الحديث، ومنهم من تأوّله بأن المراد
ينشئ لهما السفر من هنالك. انتهى كلام الصنعانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال العلامة ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ - ما ملخّصه: أما ما نُقل عن عمر، وعليّ - رضي الله عنهما -
أنهما قالا: إتمام العمرة أن تنشئها من بلدك، فمعناه أن تنشئ لها سفرًا من