واستدلّ به على اشتراط القطع، خلافًا للمشهور عن أحمد، فإنه أجاز لبس الخفّين من غير قطع؛ لإطلاق حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - عند البخاريّ في أواخر الحجِّ بلفظ: "ومن لَمْ يجد نعلين، فليلبس خفّين".
وتُعُقّب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيّد، فينبغي أن يقول بها هنا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أخرج النسائيّ من طريق أيوب، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - بلفظ: "وإذا لَمْ يجد النعلين، فليلبس الخفّين، وليقطعهما أسفل من الكعبين"، فلو صحّت هذه الزيادة، فلا حاجة إلى القول بالتقييد بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ لكنها لا تثبت في حديث ابن عباس، كما بيّنته في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد.
وأجاب الحنابلة بأشياء: منها: دعوى النسخ في حديث ابن عمر، فقد روى الدارقطنيّ، من طريق عمرو بن دينار أنه روى عن ابن عمر حديثه، وعن جابر بن زيد عن ابن عبّاس حديثه، وقال: انظروا أيّ الحديثين قبلُ؟ ثم حكى الدارقطنيّ، عن أبي بكر النيسابوريّ أنه قال: حديث ابن عمر قبلُ؛ لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام، وحديث ابن عباس بعرفات.
وأجاب الشافعيّ عن هذا في "الأمّ"، فقال: كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس؛ لاحتمال أن تكون عزبت عنه، أو شكّ، أو قالها، فلم يقلها عنه بعض رواته. انتهى.
وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين، قال ابن الجوزيّ: حديث ابن عمر اختُلِف في وقفه ورفعه، وحديث ابن عباس لَمْ يُختلف في رفعه. انتهى.
قال الحافظ: وهو تعليل مردود، بل لَمْ يُختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلَّا في رواية شاذّة، على أنه اختُلف في حديث ابن عبّاس أيضًا، فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا، ولا يرتاب أحد من المحدّثين أن حديث ابن عمر أصحّ من حديث ابن عبّاس؛ لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وُصف بكونه أصحّ الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفّاظ، منهم نافع، وسالم، بخلاف حديث ابن عبّاس، فلم يأت مرفوعًا إلَّا من رواية جابر بن زيد عنه، حتى قال الأصيليّ: