بعد الدخول فيها، وأجاب عن هذا الحديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يدخل المعتكف، ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هَمّ به، ثم عَرَضَ له المانع المذكور، فتركه، فعلى هذا فاللازم أحد الأمرين: إما أن يكون شرع في الاعتكاف، فيدلّ على جواز الخروج منه، وإما أن لا يكون شَرَع، فيدلّ على أن أول وقته بعد صلاة الصبح. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - شرع في الاعتكاف أول الليل؛ لما يأتي تحقيقه، فتنبّه.
وقال السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "حاشية النسائيّ": ظاهره أن المعتكف يَشرَع في الاعتكاف بعد صلاة الصبح، ومذهب الجمهور أنه يَشرَع من ليلة الحادي والعشرين، وقد أخذ بظاهر الحديث قوم، إلَّا أنهم حملوه على أنه يَشْرَع من صبح الحادي والعشرين، فرَدّ عليهم الجمهور بأن المعلوم أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر، ويحثّ أصحابه عليه، وعدد العشر عدد الليالي، فتدخل فيها الليلة الأولى، وإلما لا يتم هذا العدد أصلًا، وأيضًا من أعظم ما يُطْلَب بالاعتكاف إدراك ليلة القدر، وهي تكون ليلة الحادي والعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - فينبغي له أن يكون معتكفًا فيها، لا أن يعتكف بعدها.
وأجاب النووي عن الجمهور بتأويل الحديث أنه دخل المعتَكَف، وانقطع فيه، وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفًا، لابثًا في جملة المسجد، فلما صلى الصبح انفرد. انتهى.
ولا يخفى أن قولها: "كان إذا أراد أن يعتكف" يفيد أنه كان يدخل المعتَكَف حين يريد الاعتكاف، لا أنه يدخل فيه بعد الشروع في الاعتكاف، وعلى هذا التأويل لَمْ يكن بيانَا لكيفية الشروع، ثم لازم هذا التأويل أن يقال: السنة للمعتكف أن يلبث أول ليلة في المسجد، ولا يدخل في المعتكف، وإنما يدخل فيه من الصبح، وإلا يلزم ترك العمل بالحديث، وعند تركه لا حاجة إلى التأويل، والجمهور لا يقولون بهذه السنة، فيلزمهم ترك العمل بالحديث.
وأجاب القاضي أبو يعلى من الحنابلة بحمل الحديث على أنه كان يفعل