الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية"، وفي رواية الأوزاعيّ: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى بنائه الذي بُنِي له ليعتكف فيه".
(فَقَالَ: "آلْبِرَّ) أي الطاعة، وهو بهمزة استفهام ممدودة، وبغير مدّ ونصب "البِرَّ" على أنه مفعول مقدّم لقوله: (تُرِدْنَ؟ ") بضم أوله، من الإرادة، وفي رواية مالك: "آلبر تقولون بهنّ؟ ": أي تظنون، و"تقول" يكون بمعنى "تظنّ"، ويُجرى مجراها، فينصب المبتدأ والخبر مفعولين، قال الأعشى:
أَمَّا الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدٍ ... فَمَتَى تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا
أي: تَظُنّ، ومنه قوله:
مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّوَاسِمَا ... يَحْمِلْنَ أُمَّ قَاسِمٍ وَقَاسِمَا
أي: تَظُنُّ، وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:
وَكَـ "تَظُنُّ" اجْعَلْ "تَقُولُ" إِنْ وَلي ... مُسْتَفْهَمًا بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ
بِغَيْرِ ظَرْفٍ أَوْ كَظَرْفٍ أَوْ عَمَلْ ... وَإِنْ بِبَعْضِ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
وَأُجْرِيَ الْقَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقَا ... عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْوُ "قُلْ ذَا مُشْفِقَا" (?)
ووقع في رواية الأوزاعيّ عند البخاريّ: "آلبر أردن بهذا؟ "، وفي رواية ابن عيينة: "آلبر تقولون يُرِدْنَ بهذا؟ "، والخطاب للحاضرين من الرجال وغيرهم، وفي رواية ابن فُضيل: "ما حملهنّ على هذا؟ آلبرُّ؟ انزعوها، فلا أراها، فنُزِعت"، و"ما" استفهامية، و"آلبرُّ" في هذه الرواية مرفوع، وقوله: "فلا أراها" زعم ابن التين أن الصواب حذف الألف من "أراها" قال: لأنه مجزوم بالنهي، وليس كما قال، قاله في "الفتح" (?).
وقال الإمام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما قوله في حديث مالك: "آلبر تقولون بهنّ؟ " فمعناه تظنون بهنّ البرّ، وأنا أخشى عليهنّ أن يُرِدن الكون معي على ما يريد النساء من الانفراد بالأزواج في كلّ حين، وإن لَمْ يكن حين جماع، فكأنهنّ مع إرادتهن لذلك لَمْ يكن اعتكافهن خالصًا لله تعالي، فكَرِه لهنّ ذلك، وهو معنى قوله في غير حديث مالك: "آلبر تُرِدْنَ - أو يُردن"، كأنه توبيخ؛ أي: