ومن طريق قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى".
وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد: "لا يُرْسَل فيها شيطان، ولا يَحْدُث فيها داء".
ومن طريق الضحاك: "يَقْبَل الله التوبة فيها من كل تائب، وتفتح فيها أبواب السماء، وهي من غروب الشمس إلى طلوعها".
وذكر الطبريّ عن قوم: أن الأشجار في تلك الليلة تسقط إلى الأرض، ثم تعود إلى منابتها، وأن كل شيء يسجد فيها.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا يَحتاج إلى دليل مرفوع، فتنبّه.
وروى البيهقي في "فضائل الأوقات" من طريق الأوزاعيّ، عن عبدة بن أبي لبابة، أنه سمعه يقول: "إن المياه المالحة تعذُب تلك الليلة"، وروى ابن عبد البر من طريق زهرة بن معبد نحوه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قول عبدة هذا يَحتاج إلى دليل مرفوع، فلْيُتَنَبَّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في بيان أقوال أهل العلم في تسمية ليلة القدر، واشتقاقها ومعناها:
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال العلماء: وسُمّيت ليلة القدر؛ لما يُكتَب فيها للملائكة من الأقدار، والأرزاق، والآجال التي تكون في تلك السنة، كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر: 4]، ومعناه يُظْهَر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به، وتقديره له، وقيل: سُمِّيت ليلة القدر؛ لعظم قدرها وشرفها. انتهى (?).
وقال في "الفتح": واختُلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة، فقيل: المراد به التعظيم، كقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]،