قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: ووقع في رواية ابن ماهان: "فذَكَرَ ذلك عبدُ الرَّحمن لأبيه"، وهذا غلطٌ فاحشٌ؛ لأنه تصريح بأن الحارث والد عبد الرَّحمن هو المخاطب بذلك، وهو باطلٌ؛ لأن هذه القصّة كانت في ولاية مروان على المدينة، في خلافة معاوية - رضي الله عنه -، والحارث تُوُفّي في طاعون عَمَوَاس، في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة ثمان عشرة. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (?)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
(فَأَنْكَرَ) أي عبد الرَّحمن (ذَلِكَ) أي ما قاله أبو هريرة - رضي الله عنه -؛ لأن عنده علمًا بأن من أصبح جنبًا لا يبطل صومه، ولعله أخذه من عائشة، وأم سلمة، أو من أحدهما (فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن الحارث؛ ليتأكّد مما لديه من عدم فطر من أصبح جنبًا، قال أبو بكر (وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنهما -، فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ) أي عن حكم من أصبح جنبًا (قَالَ) أبو بكر (فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ) أفرد الضمير؛ نظرًا للفظ "كلتا"، والقاعدة في "كلا"، و"كلتا" أنه يجوز فيهما مراعاة اللفظ، ومراعاة المعنى، والأكثر مراعاة اللفظ، كما في هذا الحديث، وبه جاء القرآن الكريم في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33]، وقد تقدّم البحث فيه قريبًا.
[تنبيه]: ظاهر رواية المصنّف أنهما سمعا كلام عائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهما -، لكن في رواية النسائيّ أن عبد الرَّحمن بن الحارث إنما سمعه من ذكوان مولى عائشة عنها، ومن نافع مولى أم سلمة عنها، فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد، عن أبي عياض، عن عبد الرَّحمن بن الحارث، قال: أرسلني مروان إلى عائشة، فأتيتها، فلقيت غلامها ذكوان، فأرسلته إليها، فسألها عن ذلك، فقالت، فذكر الحديث مرفوعًا، قال: فأتيت مروان، فحدثته بذلك، فأرسلني إلى أم سلمة، فأتيتها، فلقيت غلامها نافعًا، فأرسلته إليها، فسألها عن ذلك، فذكر مثله، وفي إسناده نظرٌ؛ لأن أبا عياض مجهول، فإن كان محفوظًا، فيُجْمَع بأن كلًا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرَّحمن، وبين كلّ منهما في السؤال، كما في هذه الرواية، وسمع عبد الرَّحمن وابنه أبو بكر كلاهما من وراء الحجاب، كما في رواية المصنّف وغيره.