يُثبت في قوله {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} مسألة فيهم؛ لأن المعنى: ليس منهم مسألة، فيكون منهم إلحافٌ، ومثل ذلك قول الشاعر:

لَا يَفْزَعُ الأَرْنَبُ أَهْوَالَهَا ... وَلَا تَرَى الضبَّ بِهَا يَنْحَجِرْ

أي ليس فيها أرنبٌ، فيَفْزَع لهولها، ولا ضبّ، فينحجر، وليس المعنى أنه ينفي الفزع عن الأرنب، والانحجار عن الضبّ.

وقال أبو بكر: تأويل الآية: لا يسألون البتّة، فيُخرجهم السؤال في بعض الأوقات إلى الإلحاف، فجرى هذا مجرى قولك: فلانٌ لا يُرجَى خيره؛ أي لا خير عنده البتّة، فيُرجى، وأنشد قول امرئ القيس:

وَصُمٌّ صِلَابٌ مَا يَقِينَ مِنَ الْوَجَى ... كَانَّ مَكَانَ الرِّدْفِ مِنْهُ عَلَى رَأْلِ (?)

أي ليس بهنّ وجى، فيشتكين من أجله، وقال الأعشى:

لَا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ ... وَلَا يَعَضُّ عنَى شُرْسوفِهِ الصَّفَرُ (?)

معناه: ليس بساقه أينٌ، ولا وصبٌ، فيغمزها.

وقال الفرّاء قريبًا منه، فإنه قال: نفى الإلحاف عنهم، وهو يريد جميع وجوه السؤال، كما تقول في الكلام: قَلّما رأيت مثل هذا الرجل، ولعلّك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه.

وجعل أبو بكر الآية عند بعضهم من باب حذف المعطوف، وإن التقدير: لا يسالون الناس إلحافًا، ولا غير إلحاف، كقوله تعالى: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد. انتهى كلام السمين رحمه الله (?).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره السمين رحمه الله من كلام أئمة اللغة تحقيقٌ حسن، وخلاصته ترجيح كون معنى الآية نفي الإلحاح والسؤال، فلا سؤال، ولا إلحاح، وهذا هو المعنى الموافق لتفسيره -صلى الله عليه وسلم- المسكين بالمتعفّف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015