شرح الحديث:
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ التيميّ (أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ) -رضي الله عنه- (حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ، أَوْ) للشكّ من الراوي، أي أو قال: (خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى) جملة من مبتدأ وخبره؛ أي إن أفضل صدقة المرء ما وقع من غير حاجة إلى ما يتصدّق به لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته.
وقد جاء ما يوضّح المراد بقوله: "أفضل الصدقة عن ظهر غنى إلخ" -كما قال النسائيّ رحمه الله- فيما أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبّان والحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تصدَّقُوا"، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينارٌ، قال: "تصدق به على نفسك"، قال: عندي آخر، قال: "تصدق به على زوجتك"، قال: عندي آخر، قال: "تصدق به على ولدك"، قال: عندي آخر، قال: "تصدق به على خادمك"، قالى: عندي آخر، قال: "أنت أبصر".
وقال النوويّ رحمه الله: معناه: أفضل الصدقة ما بقي صاحبُها بعدها مستغنيًا بما بقي معه، وتقديره أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يَعتمده صاحبها، ويَستظهر به على مصالحه وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله؛ لأن من تصدق بالجميع يَندَم غالبًا، أو قد يندم إذا احتاج، وَيوَدّ أنه لم يتصدق، بخلاف من بقي بعدها مستغنيًا، فإنه لا يندم عليها، بل يُسَرّ بها.
قال: وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا أنه مستحبٌّ لمن لا دَينَ عليه، ولا له عيال لا يصبرون، ويكون هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر، فإن لم يَجْمَع هذه الشروط فهو مكروه.
وقال القاضي عياض رحمه الله: جَوّز جمهور العلماء، وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله، وقيل: يُرَدُّ جميعها، وهو مرويّ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقيل: يُنَفَّذ في الثلث، هو مذهب أهل الشام، وقيل: إن زاد على النصف رُدّت الزيادة، وهو محكيّ عن مكحول، قال أبو جعفر الطبريّ: ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله، وأن يقتصر على الثلث. انتهى (?).