[التنبيه الثاني]: أنه لم يقع في هذه الرواية بيان الْمَكِيل بالأوسق، لكن وقع في الرواية الآتية من طريق محمد بن يحيى بن حَبّان، عن يحيى بن عمارة بلفظ: "ليس فيما دون خمسة أوساق، من تمر، ولا حبّ صدقة"، وفي لفظ: "ليس في حبٍّ ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... "، وفي رواية للنسائيّ بلفظ: "لا يَحُلُّ في البرّ والتمر زكاة حتى تبلغ خمسة أوسق"، والله تعالى أعلم بالصواب.
(صَدَقَةٌ)؛ أي: زكاةٌ، والمراد بها العشر، أو نصف العشر، على ما سيأتي، قال الحافظ رحمه اللهُ: ولفظ "دون" في المواضع الثلاثة بمعنى "أقلّ"، لا أنه نَفَى عن غير الخمس الصدقة، كما زعم بعض من لا يُعتدّ بقوله. انتهى.
والمعنى أنه إذا خرج من الأرض أقلّ من ذلك فلا زكاة فيه، وبه أخذ جمهور أهل العلم، وهو الحقّ والصواب، وخالفهم فيه أبو حنيفة، فقال: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيرة الزكاة، وهو قول إبراهيم النخعي، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وخالف أبو يوسف، ومحمد الإمام أبا حنيفة، فقالا بقول الجمهور، وهو الحق الذي تدلّ عليه النصوص الصريحة، وسيأتي تحقيق القول في ذلك مستوفًى قريبًا -إن شاء الله تعالى- والله تعالى أعلم.
(وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ) الرواية المشهورة إضافة "خمسِ" إلى "ذود"، وروي بتنوين "خمسٍ"، فيكون "ذود" بدلًا منها، والمعروف الأول، ونقله ابن عبد البرّ، والقاضي عياض عن الجمهور.
و"الذَّوْدُ" أصله -كما قال القرطبىّ- من ذاد يذود: إذا دفع شيئًا، فهو مصدرٌ، فكأن من كان عنده دفع عن نفسه مَعَرَّة الفقر، وشدّة الفاقة والحاجة (?).
وهو عند أهل اللغة من الثلاثة إلى العشرة، من الإبل، لا واحد له من لفظه، قالوا: ويقال في الواحد بعير. قالوا: وكذلك النفَرُ، والرَّهْطُ، والقوم، والنساء، وأشباه هذه الألفاظ، لا واحد لها من لفظها. قالوا: وقولهم: "خمس ذود" كقولهم: "خمسة أبعرة"، و"خمسة جِمَال"، و"خمس نُوق"، و"خمس نسوة".