الشرع إسقاط الزكاة عن المديون؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ على فقرائهم ... " والمديون ليس بغنيّ. وأما من فرّق بين الحبوب، وغير الحبوب، وبين الناضّ، وغير النّاضّ، فلا أعلم له شبهة بيّنة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأقرب عندي أن من عليه دَين يستغرق ماله، لا زكاة عليه أصلًا، ومن عليه دين لا يستغرق لا زكاة عليه بقدر الدين، ويزكي ما عداه؛ لظاهر النصّ المذكور، فإنه شرط في أخذ الزكاة أن يكون غنيًّا، والمديون لا يسمّى غنيًّا. والله تعالى أعلم.
قال: وأما المال الذي هو في الذّمّة -أعني في ذمة الغير- وليس هو بيد المالك، وهو الدَّين، فإنهم اختلفوا فيه أيضًا، فقوم قالوا: لا زكاة فيه، وإن قُبض حتى يستكمل شرط الزكاة عند القابض له، وهو الحول، وهو أحد قولي الشافعيّ، وبه قال الليث، أو هو قياس قوله. وقوم قالوا: إذا قبضه زكّاه لما مضى من السنين. وقال مالك: يزكيه لحول واحد، وإن أقام عند المديون سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض، مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول. انتهى كلام ابن رشد رَحمه اللهُ ببعض تصرّف (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجّح عندي أنه إن كان الدَّين عند مقرّ به، أو له عليه بيّنة، فإنه يزكّيه، وإلا فلا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط الحول في الزكاة: ذكر ابن رشد رحمه اللهُ أن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضّة والماشية الحولَ، لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة - رضي الله عنهم - ولانتشار العمل به، ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعًا من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار، وليس فيه في الصدر الأول خلاف، إلا ما روي عن ابن عباس، ومعاوية - رضي الله عنهم -، وسبب اختلافهم أنه لم يَرِد في ذلك