وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: لعلّ هذا القاتل لنفسه كان مستحلًّا لقتل نفسه، فمات كافرًا، فلم يصلّ عليه لذلك، وأما المسلم القاتل لنفسه فيُصلَّى عليه عند كافّة العلماء. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يردّ قول القرطبىّ: كان مستحلًّا ... إلخ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنا فلا أصلي عليه"؛ لأن تقديره: وأما أنتم فصلّوا عليه؛ لأن "أما" للتفصيل، فيكون المراد تفصيل حال المصلين عليه بين من لا يصلّي، وهو النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبين من يصلّي، وهم الصحابة - رضي الله عنهم -، فدلّ على أنه مسلم، وليس بكافر، وأما تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه مع كونه مسلمًا؛ زجرًا لغيره؛ لئلّا يتجاسروا بقتل أنفسهم.

وقال الإمام ابن المنذر رَحمه الله: واختلفوا في الصلاة على من قتل نفسه، فكان الحسن، والنخعيّ، وقتادة يرون الصلاة عليه، وقال الأوزاعيّ: لا يصلى عليه، وذكر أن عمر بن عبد العزيز لم يُصلّ عليه.

قال ابن المنذر رَحمه الله: سَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على المسلمين، ولم يستثن منهم أحدًا، وقد دخل في جملتهم الأخيار والأشرار، ومن قُتل في حدّ، ولا نعلم خبرًا أوجب استثناء أحد ممن ذكرناهم، فيُصَلَّى على من قتل نفسه، وعلى من أصيب في أيّ حدّ أصيب فيه، وعلى شارب الخمر، وولد الزنا، لا يُستثنَى منهم إلا من استثناه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة، وقد ثبت أن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على من أصيب في حدّ. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله باختصار (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله حسنٌ جدًّا، وهو أن يصَلَّى على جميع المسلمين، إلا من صحّ استثناؤه منهم، كالشهيد، إلا أن للإمام خاصّةً أن لا يصلي على من يَحِيف في الوصيّة (?)، وعلى من غَلّ، وعلى من عليه دَين، وعلى من قَتَلَ نفسه، إن رأى ذلك؛ لأجل أن ينزجر الناس عن مثل أفعالهم، وقد استوفيت بيان أدلّة ما ذُكر في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصوب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015