شرعًا، لا في إثبات ما أبطله علماء الحديث، وغيرهم ممن أوجب الله تعالى اتباعهم على الأمة، وجعلهم مرجعًا لها في المعضلات، حيث قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، والله تعالى أعلم بالصواب.

وقال القاري رحمه اللهُ: ومنعوا جوازه أيضًا بأن إيمان اليأس غير مقبول إجماعًا، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة، وبأن الإيمان المطلوب من المكلّف إنما هو الإيمان الغيبيّ، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} الآية [الأنعام: 28]. وهذا الحديث الصحيح صريح أيضًا في ردّ ما تشبث به بعضهم بأنهما كانا من أهل الفترة، ولا عذاب عليهم، مع اختلاف في المسألة (?).

قال صاحب "المرعاة": واعلم أن هذه المسألة كثر النزاع والخلاف بين العلماء فيها، فمنهم من نصّ على عدم نجاة الوالدين، كما رأيت في كلام النوويّ، والقاري، وقد بسط الكلام في ذلك القاري في "شرح الفقه الأكبر"، وفي رسالة مستقلّة له، ومنهم من شَهِد لهما بالنجاة، كالسيوطيّ، وقد ألّف في هذه المسألة سبع رسائل (?)، بسط الكلام فيها، وذكر الأدلة من الجانبين، من شاء رجع إليها، والأسلم، والأحوط عندي هو التوقّف، والسكوت. انتهى كلام صاحب "المرعاة".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأولى، والأسلم الوقوف مع النصوص الصحيحة، كحديث الباب، وحديث مسلم المذكور: "إن أبي وأباك في النار"، مع عدم التوسع والخوض بزيادة ما ليس في النصوص، وأما تصحيح حديث إحياء أبوي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما قال ابن حجر الهيتميّ فمما لا يُلتفت إليه، فإن جلّ الحفّاظ من المحدثين على أنه موضوع، كما أشرت إليه فيما تقدّم.

ثم إن هذه المسألة ما رأيت للمتقدّمين فيها كلامًا، بل إنما أثارها، وتنازع فيها، وخاض غَمْرَتَها المتأخرون، من أمثال السيوطي، ومن سار على دَرْبه فما وَسِع الأولين من السكوت، وعدم الخوض، وترك التنازع، والتخاصم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015