فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يُجبه شيئًا، ثم أعاد، فلم يجبه شيئًا، ورفع رأسه، فقال: ما المسئول ... " (بِأَعْلَمَ) هذا وإن كان مشعرًا بالتساوي في العلم، لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها؛ لقوله بعدُ: "في خمس لا يعلمها إلا الله"، ونظير هذا قوله عند النسائيّ في حقّ جبريل عليه السلام: "ما كنت بأعلم به من رجل منكم"، فإن المراد أيضًا التساوي في عدم العلم به، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فقال: "سبحان الله، خمس من الغيب، لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا الآية".

وقال الطيبيّ: [فإن قلت]: لفظة "أعلم" مشعرةٌ بوقوع الاشتراك في العلم، وأحدهما أزيد من الآخر، وهما متساويان في انتفاء العلم منهما.

[فالجواب]: أنه - صلى الله عليه وسلم - نفى أن يكون صالحًا لأن يُسأل عنه على سبيل الكناية؛ لما عُرف أن المسئول في الجملة ينبغي أن يكون أعلم من السائل، فهو من باب قوله تعالى: {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18].

ويقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - نفى عن نفسه العلم بالمسئول عنه بوجه خاصّ.

تلخيصه أنّا متساويان في أنّا نعلم أن للساعة مجيئًا في وقت ما من الأوقات، وذلك هو العلم المشترك بيننا، ولا مزيد للمسئول على هذا العلم حتى يتعيّن عنده المسئول عنه، وهو الوقت المتعيّن الذي يتحقّق فيه مجيء الساعة. انتهى (?).

(مِنَ السَّائِلِ) إنما عدل عن قوله: لست بأعلم بها منك، إلى لفظٍ يُشعر بالتعميم؛ تعريضًا للسامعين: أي أن كل مسئول، وكل سائل، فهو كذلك.

والحاصل أن أصل الكلام أن يقال: لست بأعلم بها منك، لكن عُدِل عنه إلى ما عليه؛ لإفادة التعميم، وذلك أن الأجوبة الثلاثة على خطاب جبريل عليه السلام كانت تعريضًا للسامعين على طريقة الخطاب العامّ، نحو قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، ولو أُجري على ذلك الأسلوب لقيل: لستُ بأعلم منك، ولم يُفد فائدة العموم؛ لأن المعنى كلُّ مسئول عنه وسائلٍ أيًّا ما كان فهو داخلٌ في هذا العموم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015