(ثُمَّ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جُلِّيَ) بضم الجيم، وتشديد اللام، على صيغة المجهول، من التجلية، وهو الانكشاف (عَنِ الشَّمْسِ) وفي رواية البخاريّ: "ثمَّ جَلَس، ثمَّ جُلّي عن الشمس" أي: كُشف عنها بين جلوسه في التشهّد والسلام، كما بيّنه قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "ثمَّ انصرف، وقد تجلّت الشمس"، أفاده في "الفتح" (?).
وقوله: (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) هذا يَحْتَمل أن يكون من قول أبي سلمة، ويَحْتَمِل أن يكون من قول عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، فيكون من رواية صحابيّ، عن صحابيّة، ووَهِمَ من زَعَم أنَّه معلّق (?). (مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ) أي: من السجود الذي سجده النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة، وفي رواية أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - التالية: "فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود، وما رأيته يفعله في صلاة قط".
قال النوويّ - رحمه الله -: في هذين الحديثين دليل للمختار، وهو استحباب تطويل السجود في صلاة الكسوف، ولا يضرّ كون أكثر الروايات ليس فيهما تطويل السجود؛ لأنَّ الزيادة من الثقة مقبولة، مع أن تطويل السجود ثابت من رواية جماعة كثيرة من الصحابة، وذكره مسلم من روايتي عائشة وأبي موسى - رضي الله عنهما -، ورواه البخاريّ من رواية جماعة آخرين، وأبو داود من طريق غيرهم، فتكاثرت طرقه، وتعاضدت، فتعيّن العمل به. انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "ولا سجدت سجودًا قط كان أطول منه"، وتقدّم في رواية عروة، عن عائشة بلفظ: "ثمَّ سجد، فأطال السجود"، وفي أوائل "صفة الصلاة" من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله، وللنسائيّ من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "ثمَّ رفع رأسه، فسجد، وأطال السجود"، ونحوه عنده عن أبي هريرة، وللشيخين من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: "بأطول قيام، وركوع، وسجود رأيته قط"، ولأبي داود والنسائيّ من حديث سمرة - رضي الله عنه -: "كأطول ما سجد بنا في صلاة قط".