جملة في محل النصب على أنَّها خبر "لَمْ أكن"، والاستثناء هنا مفرَّغ، وقالت النحاة: كلّ استثناء مفرغ متصل، ومعناه أن ما قبل "إلَّا" مفرع للعمل فيما بعدها؛ إذ الاستثناء من كلام غير تامّ، فيُلْغَى فيه إلَّا من حيث العمل، لا من حيث المعني، نحو ما جاءني إلَّا زيدٌ، وما رأيت إلَّا زيدًا، وما مررت إلَّا بزيد، فالفعل الواقع هاهنا قبل "إِلَّا" مفرغّ لما بعدها، و"إلَّا" هنا بمنزلة سائر الحروف التي تغير المعنى دون الألفاظ، نحو "هل"، وغيره، ولا يجوز هذا إلَّا في المنفيّ، فافهم (?).
وقوله: (فِي مَقَامِي) بفتح الميم، والجارّ يتعلّق بحال محذوف؛ أي: حال كوني كائنًا في مكاني، وقوله: (هَذَا) بدل، أو عطف بيان لـ "مقامي" (حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة، أما الرفع فعلى أن تكون "حتى" ابتدائيّةً، و"الجَنَّة" مرفوعًا على الابتداء، وحذف خبره؛ أي: حتى الجنّة مرئيّة، و"النار" عطف عليه، كما في قوله: "أكلت السمكة حتى رأسُها" برفع الرأس؛ أي: رأسُها مأكولٌ، وهو أحد الأوجه الثلاثة فيه، وأما النصب فعلى أن تكون "حتى" عاطفةً عَطَفت "الجَنَّة" على الضمير المنصوب في "رأيته"، وأما الجر فعلى أن تكون "حتى" جارةً، أو عاطفة على المجرور السابق، وهو "شيء"، وإن لزم عليه زيادة "مِنْ" مع المعرفة، والصحيح منعه؛ لأنه يُغْتَفر في التابع ما لا يُغتَفر في المتبوع، ولأن المقدَّر ليس كالملفوظ به.
[فإن قلت]: مفادُ الإغياء أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ير الجَنَّة والنار قبل هذا الوقت، مع أنه رآهما ليلة المعراج، وهو قبل الكسوف بزمان بلا شكّ.
[قلت]: أجيب بأن المراد هنا رؤيتهما في الأرض، بدليل قوله: "في مقامي هذا"، أو باختلاف الرؤية، أفاده الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
(وَإِنَّهُ) الضمير للشأن؛ أي: إن الحال والشان (قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ) بالبناء للمفعول (أَنَّكُمْ) بفتح الهمزة؛ لوقوعه مفعولًا به، وهو النائب عن الفاعل (تُفْتَنُونَ) أي: تُمْتَحَنُون وتُخْتَبرون (فِي الْقُبُورِ) قال الباجيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يقال: إنه أُعلم بذلك في ذلك الوقت، قال: وليس الاختبار في القبر بمنزلة التكليف والعبادة،