ركوعات (وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنَّهُ) الضمير للشأن؛ أي: إن الأمر والشأن (عُرِضَ عَلَيَّ) بالبناء للمفعول، وفي نسخة: "قد عُرِضَ عليّ" وقوله: (كُلُّ شَيْءٍ) مرفوع على أنه النائب عن الفاعل (تُولَجُونَهُ) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: تُخلونه من جنّة، ونار، وقبر، ومحشرٍ، وغيرها، ثم فصّل بعض ما أجمله في قوله: "كلُّ شيء تُولجونه" بقوله: (فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ) قال القاضي عياض: قال العلماء: يَحْتَمِلُ أنه رآهما رؤية عين كشف الله تعالى عنهما، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فُرِج له عن المسجد الأقصى حين وصفه، ويكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في عُرْض هذا الحائط"؛ أي: في جهته وناحيته، أو في التمثيل لقرب المشاهدة، قالوا: وَيحْتَمِل أن يكون رؤيةَ علم وعرض وحي باظلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلًا ما لَمْ يعرفه قبل ذلك، ومن عظيم شأنهما ما زاده علمًا بأمرهما، وخشية وتحذيرًا ودوام ذكر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا، ولضحكتم قليلًا"، قال القاضي: والتأويل الأول أولي، وأشبه بألفاظ الحديث؛ لما فيه من الأمور الدالّة على رؤية العين، كتناوله - صلى الله عليه وسلم - العنقود، وتأخُّره مخافةَ أن يصيبه لَفْحُ النار. انتهى كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب.
(حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ) معنى تناولت: مددت يدي لأخذه، والْقِطْف - بكسر القاف - العنقود، وهو فِعْل بمعنى مفعول، كالذِّبْح بمعنى المذبوح، وفيه أن الجَنَّة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم، وأن في الجَنَّة ثمارًا، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا كله مذهب أصحابنا، وسائر أهل السنة، خلافًا للمعتزلة. انتهى.
(أَوْ) للشكّ من الراوي (قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا، فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ) أي: لَمْ تصل إليه (وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، تُعَذبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا) أي: بسبب هرّة (رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا) بضمّ أوله، وكسر ثالثه، من الإطعام؛ أي: لَمْ تعطها طعامًا يدفع عنها جوعها (وَلَمْ تَدَعْهَا) أي: تتركها (تَأْكُلُ) جملة في محلّ نصب على الحال (مِنْ خُشَاشِ الْأَرْضِ) بفتح الخاء المعجمة، وهي هوامُّها، وحشراتها، وقيل: صِغَار الطير، وحَكَى القاضي فتح الخاء وكسرها وضمها، والفتح هو المشهور، قال القاضي: في هذا الحديث